فصل: بَابُ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


بَابُ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ

المتن

أَحَدُهَا‏:‏ سَتْرُ بَعْضِ رَأْسِ الرَّجُلِ بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا إلَّا لِحَاجَةٍ، وَلُبْسُ الْمَخِيطِ أَوْ الْمَنْسُوجِ أَوْ الْمَعْقُودِ فِي سَائِرِ بَدَنِهِ إلَّا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَوَجْهُ الْمَرْأَةِ كَرَأْسِهِ وَلَهَا لُبْسُ الْمَخِيطِ إلَّا الْقُفَّازَ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ

أَكْثَرُ بَابُ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ أَيْ الْمُحَرَّمَاتِ بِهِ‏.‏ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ‏{‏أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ فَقَالَ‏:‏ لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْبَرَانِسَ وَلَا الْخِفَافَ إلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَيَلْبَسُ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلَا يَلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ أَوْ وَرْسٌ‏}‏ زَادَ الْبُخَارِيُّ، ‏"‏ وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ ‏"‏ وَكَخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ‏{‏نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الْقَمِيصِ وَالْأَقْبِيَةِ وَالسَّرَاوِيلَاتِ وَالْخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ النَّعْلَيْنِ‏}‏‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ السُّؤَالُ فِي الْخَبَرِ الْأَوَّلِ عَمَّا يُلْبَسُ، وَأُجِيبَ بِمَا لَا يُلْبَسُ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ مَا لَا يُلْبَسُ مَحْصُورٌ بِخِلَافِ مَا يُلْبَسُ إذْ الْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي السُّؤَالُ عَمَّا لَا يُلْبَسُ، وَبِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْجَوَابِ مَا يُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ وَإِنْ لَمْ يُطَابِقْ صَرِيحًا، وَهِيَ أُمُورٌ‏.‏

قَالَ فِي الرَّوْنَقِ وَاللُّبَابِ‏:‏ إنَّ مَجْمُوعَهَا عِشْرُونَ شَيْئًا، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ فِي التَّدْرِيبِ، وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ إنَّهَا عَشَرَةٌ أَيْ وَالْبَاقِيَةُ مُتَدَاخِلَةٌ‏.‏

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ بَالَغَ فِي اخْتِصَارِ أَحْكَامِ الْحَجِّ لَا سِيَّمَا هَذَا الْبَابُ وَأَتَى فِيهِ بِصِيغَةٍ تَدُلُّ عَلَى حَصْرِ الْمُحَرَّمَاتِ فِيمَا ذَكَرَهُ، وَالْمُحَرَّرُ سَالِمٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ‏:‏ يَحْرُمُ فِي الْإِحْرَامِ أُمُورٌ مِنْهَا كَذَا وَكَذَا ا هـ‏.‏ وَالْمُصَنِّفُ عَدَّهَا سَبْعَةً فَقَالَ ‏(‏أَحَدُهَا سَتْرُ بَعْضِ رَأْسِ الرَّجُلِ‏)‏ وَلَوْ الْبَيَاضَ الَّذِي وَرَاءَ الْأُذُنِ، سَوَاءٌ أَسَتَرَ الْبَعْضَ الْآخَرَ أَمْ لَا ‏(‏بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا‏)‏ عُرْفًا مَخِيطًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، كَالْعِمَامَةِ وَالطَّيْلَسَانِ وَالْخِرْقَةِ وَكَذَا الطِّينُ وَالْحِنَّاءُ الثَّخِينَيْنِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ عَنْ بَعِيرِهِ مَيِّتًا ‏{‏لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا‏}‏ بِخِلَافِ مَا لَا يُعَدُّ سَاتِرًا كَاسْتِظْلَالٍ بِمَحْمَلٍ وَإِنْ مَسَّهُ وَكَحَمْلِ قُفَّةٍ أَوْ عِدْلٍ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ سَتْرٍ بِذَلِكَ فَإِنْ قَصَدَ بِحَمْلِ الْقُفَّةِ وَنَحْوِهَا السِّتْرَ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ كَانْغِمَاسِهِ فِي مَاءٍ وَلَوْ كَدِرًا وَتَغْطِيَةِ رَأْسِهِ بِكَفِّهِ أَوْ كَفِّ غَيْرِهِ وَشَدِّهِ بِخَيْطٍ، وَلَوْ غَطَّى رَأْسَهُ بِثَوْبٍ تَبْدُو الْبَشَرَةُ مِنْ وَرَائِهِ، فَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ وَأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ إلْحَاقُهُ بِوَضْعِ الزِّنْبِيلِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاتِرًا هُنَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ ‏(‏إلَّا‏)‏ سَتْرَ بَعْضِ رَأْسِ الرَّجُلِ أَوْ كُلِّهِ ‏(‏لِحَاجَةٍ‏)‏ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ مُدَاوَاةٍ كَأَنْ جُرِحَ رَأْسُهُ فَشَدَّ عَلَيْهِ خِرْقَةً فَيَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏ لَكِنْ تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ قِيَاسًا عَلَى الْحَلْقِ بِسَبَبِ الْأَذَى

تَنْبِيهٌ‏:‏

عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ‏:‏ إلَّا لِحَاجَةِ مُدَاوَاةٍ لِأَنَّهَا أَخْصَرُ وَأَحْصَرُ ‏(‏وَ‏)‏ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ‏(‏لُبْسُ الْمَخِيطِ‏)‏ كَقَمِيصٍ وَقَبَاءٍ وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ وَخَرِيطَةٍ لِخِضَابِ لِحْيَتِهِ وَقُفَّازٍ وَسَرَاوِيلَ وَتُبَّانٍ وَخُفٍّ ‏(‏أَوْ الْمَنْسُوجِ‏)‏ كَدِرْعٍ ‏(‏أَوْ الْمَعْقُودِ‏)‏ كَجُبَّةِ لَبْدٍ ‏(‏فِي سَائِرِ‏)‏ أَيْ جَمِيعِ أَجْزَاءِ ‏(‏بَدَنِهِ‏)‏ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ أَوَّلَ الْبَابِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي اللُّبْسِ الْعَادَةُ فِي كُلِّ مَلْبُوسٍ إذْ بِهِ يَحْصُلُ التَّرَفُّهُ فَلَوْ ارْتَدَى بِالْقَمِيصِ أَوْ الْقَبَاءِ أَوْ الْتَحَفَ بِهِمَا أَوْ اتَّزَرَ بِالسَّرَاوِيلِ فَلَا فِدْيَةَ كَمَا لَوْ اتَّزَرَ بِإِزَارٍ لَفَقَهُ مِنْ رِقَاعٍ أَوْ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ سَاقَيْ الْخُفِّ، وَلَوْ أَلْقَى عَلَى نَفْسِهِ قَبَاءً أَوْ فَرْجِيَّةً وَهُوَ مُضْطَجِعٌ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ قَامَ أَوْ قَعَدَ لَمْ يَسْتَمْسِكْ عَلَيْهِ إلَّا بِمَزِيدِ أَمْرٍ لَمْ تَلْزَمْهُ الْفِدْيَةُ، وَلَوْ زَرَّ الْإِزَارَ أَوْ خَاطَهُ حَرُمَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ إزَارَهُ لَا رِدَاءَهُ، وَأَنْ يَشُدَّ عَلَيْهِ خَيْطًا لِيَثْبُتَ وَأَنْ يَجْعَلَهُ مِثْلَ الْحُجْزَةِ وَيُدْخِلَ فِيهِ التِّكَّةَ إحْكَامًا، وَلَهُ تَقْلِيدُ السَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ وَشَدِّ الْمِنْطَقَةِ وَالْهِمْيَانِ عَلَى وَسَطِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَلَهُ أَنْ يَلُفَّ بِوَسَطِهِ عِمَامَةً وَلَا يَعْقِدُهَا، وَأَنْ يَلْبَسَ الْخَاتَمَ وَأَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ فِي كُمِّ قَمِيصٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ، وَأَنْ يَغْرِزَ طَرَفَ رِدَائِهِ فِي إزَارِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ رِدَاءَهُ وَلَا أَنْ يُخَلِّلَهُ بِنَحْوِ مِسَلَّةٍ‏.‏ وَلَا يَرْبِطُ طَرَفَهُ بِطَرَفِهِ الْآخَرِ بِخَيْطٍ، وَلَوْ اتَّخَذَ لَهُ شَرَجًا وَعُرًى وَرَبَطَ الشَّرَجَ بِالْعُرَى حَرُمَ عَلَيْهِ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ‏.‏ فَائِدَةٌ‏:‏ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ‏:‏ وَالْحِكْمَةُ فِي تَحْرِيمِ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَغَيْرِهِ مِمَّا مُنِعَ مِنْهُ الْمُحْرِمُ أَنْ يَخْرُجَ الْإِنْسَانُ عَنْ عَادَتِهِ فَيَكُونَ ذَلِكَ مُذَكِّرًا لَهُ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ فَيَشْتَغِلَ بِهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى سَائِرٍ فِي آخِرِ خُطْبَةِ الْكِتَابِ هَلْ هُوَ بِمَعْنَى بَاقِي أَوْ جَمِيعٍ ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ وَلَا يَصِحُّ هُنَا أَنْ يُسْتَعْمَلَ بِمَعْنَى بَاقِي فَإِنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ حُكْمُ شَيْءٍ مِنْ الْبَدَنِ حَتَّى يَكُونَ هَذَا حُكْمَ بَاقِيهِ فَإِنَّ الرَّأْسَ قَسِيمُ الْبَدَنِ لَا بَعْضُهُ؛ وَلِذَلِكَ قُدِّرَتْ جَمِيعٌ فِي كَلَامِهِ‏.‏

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَخَرِيطَةُ اللِّحْيَةِ لَا تَدْخُلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ لَا تَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْبَدَنِ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَسْتَثْنِيَ الْوَجْهَ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ سَتْرُهُ عَلَى الرَّجُلِ عِنْدَنَا‏.‏

قَالَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ رُوِيَ فِعْلُهُ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَكِنْ يَبْقَى شَيْئًا لِيَسْتَوْعِبَ الرَّأْسَ بِالْكَشْفِ ‏(‏إلَّا إذَا‏)‏ كَانَ لُبْسُهُ لِحَاجَةٍ كَحَرٍّ وَبَرْدٍ فَيَجُوزُ مَعَ الْفِدْيَةِ، أَوْ ‏(‏لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ‏)‏ أَيْ الْمَخِيطِ وَنَحْوِهِ فَيَجُوزُ لَهُ مِنْ غَيْرِ فِدْيَةٍ وَلَهُ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ الَّتِي لَا يَتَأَتَّى الِاتِّزَارُ بِهَا عِنْدَ فَقْدِ الْإِزَارِ، وَلُبْسُ مَدَاسٍ - أَيْ مُكَعَّبٍ - وَهُوَ مَا يُسَمَّى بالسُّرْمُوزَةِ وَالزُّرْبُولِ الَّذِي لَا يَسْتُرُ الْكَعْبَيْنِ، وَكَذَا لُبْسُ خُفٍّ إنْ قَطَعَ أَسْفَلَ كَعْبِهِ وَإِنْ سَتَرَ ظَهْرَ الْقَدَمَيْنِ فِيهِمَا بِبَاقِيهِمَا عِنْدَ فَقْدِ النَّعْلَيْنِ‏.‏

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَالْمُرَادُ بِالنَّعْلِ التَّاسُومَةُ، وَيَلْتَحِقُ بِهِ الْقَبْقَابُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَخِيطٍ، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي جَوَازِ لُبْسِ السَّرَاوِيلِ قَطْعَهُ فِيمَا جَاوَزَ الْعَوْرَةَ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ، وَعَلَّلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وُجُوبِ قَطْعِ الْخُفِّ عِنْدَ فَقْدِ النَّعْلِ مُشْكِلٌ، لَكِنْ وَرَدَ النَّصُّ بِذَلِكَ‏.‏ نَعَمْ يُتَّجَهُ عَدَمُ جَوَازِ قَطْعِ الْخُفِّ إذَا وُجِدَ الْمُكَعَّبُ، وَلَا يَجُوزُ لُبْسُ الْخُفِّ الْمَقْطُوعِ وَالْمَدَاسِ مَعَ وُجُودِ النَّعْلَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ أَمَّا الْمَدَاسُ الْمَعْرُوفُ الْآنَ، فَهَذَا يَجُوزُ لُبْسُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُحِيطًا بِالْقَدَمِ ‏؟‏ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي مَنَاسِكِهِ يَحْرُمُ لُبْسُ الْمَدَاسِ، الْمُرَادُ بِهِ الْمُكَعَّبُ كَمَا مَرَّ، وَإِذَا لَبِسَ السَّرَاوِيلَ لِلْحَاجَةِ ثُمَّ وَجَدَ الْإِزَارَ أَوْ الْخُفَّ ثُمَّ وَجَدَ النَّعْلَ لَزِمَهُ نَزْعُهُ فِي الْحَالِ فَإِنْ أَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ أَثِمَ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِالسَّرَاوِيلِ إزَارًا مُتَسَاوِيَ الْقِيمَةِ، فَالصَّوَابُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وُجُوبُهُ إنْ لَمْ يَمْضِ زَمَنٌ تَبْدُو فِيهِ عَوْرَتُهُ وَإِلَّا فَلَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اللُّبْسُ لِحَاجَةِ الْبَرْدِ وَالْمُدَاوَاةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا إذْ الْمَنْقُولُ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا الْجَوَازُ، لَكِنْ مَعَ الْفِدْيَةِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، فَلَوْ عَبَّرَ بِالْحَاجَةِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّأْسِ لَكَانَ أَوْلَى، وَلَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ بَيْنَ الْبَالِغِ وَالصَّبِيِّ إلَّا أَنَّ الْإِثْمَ يَخْتَصُّ بِالْمُكَلَّفِ، وَيَأْثَمُ الْوَلِيُّ إذْ أَقَرَّ الصَّبِيُّ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ طُولِ زَمَنِ اللُّبْسِ وَقِصَرِهِ ‏(‏وَوَجْهُ الْمَرْأَةِ‏)‏ وَلَوْ أَمَةً كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ‏(‏كَرَأْسِهِ‏)‏ أَيْ الرَّجُلِ فِي حُرْمَةِ السِّتْرِ لِوَجْهِهَا أَوْ بَعْضِهِ إلَّا لِحَاجَةٍ فَيَجُوزُ مَعَ الْفِدْيَةِ، وَعَلَى الْحُرَّةِ أَنْ تَسْتُرَ مِنْهُ مَا لَا يَتَأَتَّى سَتْرُ جَمِيعِ رَأْسِهَا إلَّا بِهِ احْتِيَاطًا لِلرَّأْسِ إذْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُ سَتْرِهِ إلَّا بِسَتْرِ قَدْرٍ يَسِيرٍ مِمَّا يَلِيهِ مِنْ الْوَجْهِ، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى سَتْرِهِ بِكَمَالِهِ لِكَوْنِهِ عَوْرَةً أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى كَشْفِ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْوَجْهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْأَمَةَ لَا تَسْتُرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رَأْسَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ الْمَجْمُوعِ مَا ذُكِرَ فِي إحْرَامِ الْمَرْأَةِ وَلُبْسِهَا لَمْ يُفَرِّقُوا فِيهِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ‏:‏ وَشَذَّ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَحَكَى وَجْهًا أَنَّ الْأَمَةَ كَالرَّجُلِ وَوَجْهَيْنِ فِي الْمُبَعَّضَةِ هَلْ هِيَ كَالْأَمَةِ أَوْ كَالْحُرَّةِ ا هـ‏.‏ فَإِنْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ سَتْرَ وَجْهِهَا عَنْ النَّاسِ أَرْخَتْ عَلَيْهِ مَا يَسْتُرُهُ بِنَحْوِ ثَوْبٍ مُتَجَافٍ عَنْهُ بِنَحْوِ خَشَبَةٍ بِحَيْثُ لَا يَقَعُ عَلَى الْبَشَرَةِ وَسَوَاءٌ أَفَعَلَتْهُ لِحَاجَةٍ كَحَرٍّ وَبَرْدٍ أَمْ لَا، كَمَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ سَتْرُ رَأْسِهِ بِنَحْوِ مِظَلَّةٍ، فَلَوْ وَقَعَتْ الْخَشَبَةُ مَثَلًا فَأَصَابَ الثَّوْبُ وَجْهَهَا بِلَا اخْتِيَارٍ مِنْهَا فَرَفَعَتْهُ فَوْرًا لَمْ تَلْزَمْهَا الْفِدْيَةُ وَإِلَّا لَزِمَتْهَا مَعَ الْإِثْمِ ‏(‏وَلَهَا‏)‏ أَيْ الْمَرْأَةِ ‏(‏لُبْسُ الْمَخِيطِ‏)‏ وَغَيْرِهِ فِي الرَّأْسِ وَغَيْرِهِ ‏(‏إلَّا الْقُفَّازَ‏)‏ فَلَيْسَ لَهَا سَتْرُ الْكَفَّيْنِ وَلَا أَحَدِهِمَا بِهِ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلِأَنَّ الْقُفَّازَ مَلْبُوسُ عُضْوٍ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ فِي الصَّلَاةِ فَأَشْبَهَ خُفَّ الرَّجُلِ وَخَرِيطَةَ لِحْيَتِهِ، وَالثَّانِي يَجُوزُ لَهَا لُبْسُهُمَا، لِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بَنَاتِهِ بِلُبْسِهِمَا فِي الْإِحْرَامِ‏.‏

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ‏:‏ وَالْقُفَّازُ‏:‏ شَيْءٌ يُعْمَلُ لِلْيَدَيْنِ يُحْشَى بِقُطْنٍ وَيَكُونُ لَهُ أَزْرَارٌ تُزَرُّ عَلَى السَّاعِدَيْنِ مِنْ الْبَرْدِ تَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ فِي يَدَيْهَا، وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ مَا يَشْمَلُ الْمَحْشُوَّ وَغَيْرَهُ، وَيَجُوزُ لَهَا سَتْرُ الْكَفَّيْنِ بِغَيْرِ الْقُفَّازِ كَكُمٍّ وَخِرْقَةٍ تَلُفُّهَا عَلَيْهِمَا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، سَوَاءٌ أَخَضَبَتْهُمَا أَمْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِ الْقُفَّازَيْنِ عَلَيْهَا مَا مَرَّ آنِفًا، وَيَحْرُمُ عَلَى الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ سَتْرُ وَجْهِهِ مَعَ رَأْسِهِ وَتَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ، وَلَيْسَ لَهُ سَتْرُ وَجْهِهِ مَعَ كَشْفِ رَأْسِهِ خِلَافًا لِمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا لَا نُوجِبُهَا بِالشَّكِّ، نَعَمْ لَوْ أَحْرَمَ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْأَجَانِبِ جَازَ لَهُ كَشْفُ رَأْسِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا‏.‏

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَسْتَتِرَ بِالْمَخِيطِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ رَجُلًا وَيُمْكِنُهُ سَتْرُهُ بِغَيْرِهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ‏.‏ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ‏:‏ لَا خِلَافَ أَنَّا نَأْمُرُهُ بِالسَّتْرِ وَلُبْسِ الْمَخِيطِ كَمَا نَأْمُرُهُ أَنْ يَسْتَتِرَ فِي صَلَاتِهِ كَالْمَرْأَةِ، وَفِي أَحْكَامِ الْخَنَاثَى لِابْنِ الْمُسْلِمِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتُرَ رَأْسَهُ وَأَنْ يَكْشِفَ وَجْهَهُ وَأَنْ يَسْتُرَ بَدَنَهُ إلَّا بِالْمَخِيطِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا‏.‏

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ كَالْإِسْنَوِيِّ وَمَا قَالَهُ حَسَنٌ ا هـ‏.‏ وَلَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَجْمُوعِ‏.‏ ‏(‏الثَّانِي‏)‏ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ ‏(‏اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ‏)‏ لِلْمُحْرِمِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَلَوْ أَخْشَمَ بِمَا يُقْصَدُ مِنْهُ رَائِحَتَهُ غَالِبًا وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ كَالْمِسْكِ وَالْعُودِ وَالْكَافُورِ وَالْوَرْسِ وَهُوَ أَشْهُرُ طِيبٍ بِبِلَادِ الْيَمَنِ وَالزَّعْفَرَانِ وَإِنْ كَانَ يُطْلَبُ لِلصَّبْغِ وَالتَّدَاوِي أَيْضًا ‏(‏فِي‏)‏ مَلْبُوسِهِ مِنْ ‏(‏ثَوْبِهِ‏)‏ أَوْ غَيْرِهِ كَخُفٍّ أَوْ نَعْلٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ ‏{‏وَلَا يَلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ مَا مَسَّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ‏}‏ وَالْوَرْسُ طِيبٌ‏.‏ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَلْبُوسِهِ بَدَلَ ثَوْبِهِ لَكَانَ أَوْلَى وَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْته ‏(‏أَوْ‏)‏ فِي ‏(‏بَدَنِهِ‏)‏ قِيَاسًا عَلَى ثَوْبِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَلَوْ بَاطِنًا بِأَكْلٍ أَوْ اسْتِعَاطٍ أَوْ احْتِقَانٍ فَيَجِبُ مَعَ التَّحْرِيمِ فِي ذَلِكَ الْفِدْيَةُ وَبَعْضُ الْبَدَنِ كَكُلِّهِ وَأَدْرَجَ فِي الطِّيبِ مَا مُعْظَمُ الْغَرَضِ مِنْهُ رَائِحَتُهُ الطَّيِّبَةُ كَالْوَرْدِ وَالْيَاسْمِينَ وَالْبَنَفْسَجِ وَالرَّيْحَانِ الْفَارِسِيِّ، وَمَا اشْتَمَلَ عَلَى الطِّيبِ مِنْ الدُّهْنِ كَدُهْنِ الْوَرْدِ وَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ وَاسْتِعْمَالُهُ أَنْ يُلْصِقَ الطِّيبَ بِبَدَنِهِ أَوْ مَلْبُوسِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ فِي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ مَأْذُونِهِ، فَلَوْ احْتَوَى عَلَى مِجْمَرَةٍ أَوْ حَمَلَ فَأْرَةً مَشْقُوقَةً أَوْ مَفْتُوحَةً أَوْ جَلَسَ أَوْ نَامَ عَلَى فِرَاشٍ أَوْ أَرْضٍ مُطَيَّبَةٍ أَوْ شَدَّ فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ طِيبًا أَوْ جَعَلَهُ فِي جَيْبِهِ، أَوْ لَبِسَتْ الْمَرْأَةُ الْحُلِيَّ الْمَحْشُوَّ بِهِ حَرُمَ وَوَجَبَتْ الْفِدْيَةُ، لِأَنَّ ذَلِكَ تَطْيِيبٌ، وَلَوْ وَطِئَ بِنَعْلِهِ طِيبًا حَرُمَ إنْ تَعَلَّقَ بِهِ مِنْهُ شَيْءٌ وَالتَّطَيُّبُ بِالْوَرْدِ أَنْ يَشُمَّهُ مَعَ اتِّصَالِهِ بِأَنْفِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ كَجٍّ، وَالتَّطَيُّبُ بِمَائِهِ أَنْ يَمَسَّهُ كَالْعَادَةِ بِأَنْ يَصُبَّهُ عَلَى بَدَنِهِ أَوْ مَلْبُوسِهِ فَلَا يَكْفِي شَمُّهُ، وَلَوْ حَمَلَ مِسْكًا وَنَحْوَهُ فِي خِرْقَةٍ مَشْدُودَةٍ أَوْ فَأْرَةٍ غَيْرِ مَشْقُوقَةٍ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ شَمَّ الرِّيحَ لِوُجُودِ الْحَائِلِ‏.‏ وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الطِّيبَ فِي الْمُخَالِطِ لَهُ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ رِيحٌ وَلَا طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ كَأَنْ اُسْتُعْمِلَ فِي دَوَاءٍ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ وَأَكْلُهُ وَلَا فِدْيَةَ وَإِنْ بَقِيَ الرِّيحُ فِيمَا اسْتَهْلَكَ ظَاهِرًا أَوْ خَفِيًّا يَظْهَرُ بِرَشِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ فَدَى، لِأَنَّ الْغَرَضَ الْأَعْظَمَ مِنْ الطِّيبِ الرِّيحُ وَكَذَا لَوْ بَقِيَ الطَّعْمُ لِدَلَالَتِهِ عَلَى بَقَاءِ الطِّيبِ، لَا إنْ بَقِيَ اللَّوْنُ فَقَطْ، لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ الزِّينَةُ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْأَكْلُ أَوْ التَّدَاوِي وَإِنْ كَانَ لَهُ رِيحٌ طَيِّبَةٌ كَالتُّفَّاحِ وَالْأُتْرُجِّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ عَلَى الْأَفْصَحِ وَيُقَالُ الْأُتْرُنْجُ وَالْقُرُنْفُلُ وَالدَّارَصِينِيُّ وَالسُّنْبُلُ وَسَائِرُ الْأَبَازِيرِ الطَّيِّبَةِ كَالْمُصْطَكَى لَمْ يَحْرُمْ وَلَمْ تَجِبْ فِيهِ فِدْيَةٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْأَكْلُ أَوْ التَّدَاوِي، وَكَذَا مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ كَالشِّيحِ وَالْإِذْخِرِ وَالْخَزَامَى، لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ طِيبًا، وَلَا فِدْيَةَ بِالْعُصْفُرِ وَالْحِنَّاءِ وَإِنْ كَانَ لَهُمَا رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقْصَدُ مِنْهُ لَوْنُهُ وَلَوْ مَسَّ طِيبًا يَابِسًا كَمِسْكٍ وَكَافُورٍ فَلَزِقَ بِهِ رِيحُهُ لَا عَيْنُهُ أَوْ حَمَلَ الْعُودَ أَوْ أَكَلَهُ لَمْ يَحْرُمْ، وَيُعْتَبَرُ مَعَ مَا ذُكِرَ الْعَقْلُ إلَّا السَّكْرَانُ وَالِاخْتِيَارُ وَالْعِلْمُ بِالتَّحْرِيمِ وَالْإِحْرَامِ وَبِأَنَّ الْمَلْمُوسَ طِيبٌ يَعْلَقُ فَلَا فِدْيَةَ عَلَى الْمُطَيَّبِ النَّاسِي لِلْإِحْرَامِ وَلَا الْمُكْرَهِ وَلَا الْجَاهِلِ بِالتَّحْرِيمِ أَوْ بِكَوْنِ الْمَلْمُوسِ طِيبًا أَوْ رَطْبًا لِعُذْرِهِ بِخِلَافِ الْجَاهِلِ بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ فَقَطْ دُونَ التَّحْرِيمِ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ التَّحْرِيمَ كَانَ مِنْ حَقِّهِ الِامْتِنَاعُ، فَإِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ بَعْدَ لُبْسِهِ جَاهِلًا بِهِ وَأَخَّرَ إزَالَتَهُ مَعَ إمْكَانِهَا فَدَى وَأَثِمَ وَلَوْ طَيَّبَهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ أَلْقَتْ الرِّيحُ عَلَيْهِ طِيبًا فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ بَلْ عَلَى مَنْ طَيَّبَهُ، لَكِنْ تَلْزَمُهُ الْمُبَادَرَةُ إلَى الْإِزَالَةِ عِنْدَ زَوَالِ عُذْرِهِ‏.‏

المتن

وَدَهْنُ شَعْرِ الرَّأْسِ أَوْ اللِّحْيَةِ، وَلَا يُكْرَهُ غَسْلُ بَدَنِهِ وَرَأْسِهِ بِخَطْمِيٍّ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَدَهْنُ شَعْرِ الرَّأْسِ‏)‏ لَهُ ‏(‏أَوْ اللِّحْيَةِ‏)‏ وَلَوْ مِنْ امْرَأَةٍ كَمَا قَالَ الْقَاضِي بِدُهْنٍ، وَلَوْ غَيْرَ مُطَيِّبٍ كَزَيْتٍ وَشَمْعٍ مُذَابٍ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّزْيِينِ الْمُنَافِي لِحَالِ الْمُحْرِمِ فَإِنَّهُ أَشْعَثُ أَغْبَرُ كَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ الْمُقْرِي فَيَحْرُمُ‏:‏ أَيْ الدُّهْنُ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الشَّعْرِ بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ وَلَوْ وَاحِدَةً، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَلَوْ كَانَ شَعْرُ الرَّأْسِ أَوْ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقًا لِمَا فِيهِ مِنْ تَزْيِينِ الشَّعْرِ وَتَنْمِيَتِهِ بِخِلَافِ رَأْسِ الْأَقْرَعِ وَالْأَصْلَعِ وَذَقَنِ الْأَمْرَدِ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى، فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ هَذَا بِحُرْمَةِ الطِّيبِ عَلَى الْأَخْشَمِ كَمَا مَرَّ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى هُنَا مُنْتَفٍ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّ الْمَعْنَى فِيهِ التَّرَفُّهُ بِالطِّيبِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالتَّطَيُّبِ وَإِنْ كَانَ الْمُطَيَّبُ أَخْشَمَ، وَلَهُ دَهْنُ بَدَنِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَسَائِرِ شَعْرِهِ بِذَلِكَ وَأَكْلُهُ وَجَعْلُهُ فِي شَيْءٍ وَلَوْ بِرَأْسِهِ، وَأَلْحَقَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ بِشَعْرِ اللِّحْيَةِ شَعْرَ الْوَجْهِ كَحَاجِبٍ وَشَارِبٍ وَعَنْفَقَةٍ‏.‏ وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ إنَّهُ الْقِيَاسُ، وَقَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ التَّحْرِيمُ ظَاهِرٌ فِيمَا اتَّصَلَ بِاللِّحْيَةِ كَالشَّارِبِ وَالْعَنْفَقَةِ وَالْعَذَارِ‏.‏ وَأَمَّا الْحَاجِبُ وَالْهَدِبُ وَمَا عَلَى الْجَبْهَةِ‏:‏ أَيْ وَالْخَدِّ فَفِيهِ بُعْدٌ ا هـ‏.‏ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُتَزَيَّنُ بِهِ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ دَهْنُ الْحَلَالِ كَنَظِيرِهِ الْآتِي فِي الْحَلْقِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَا يَحْسُنُ إدْرَاجُ هَذَا فِي قِسْمِ الطِّيبِ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الطِّيبِ وَغَيْرِهِ كَمَا مَرَّ، وَقَدْ جَعَلَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا قِسْمًا مُسْتَقِلًّا، لَكِنَّ الْمُحَرَّرَ أَدْخَلَهُ فِي نَوْعِ الطِّيبِ لِتَقَارُبِهِمَا فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُمَا تَرَفُّهٌ وَلَيْسَ فِيهِمَا إزَالَةُ عَيْنٍ، وَقَوْلُهُ‏:‏ دَهْنُ ‏:‏ هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى التَّدْهِينِ، وَتَعْبِيرُهُ بِأَوْ يُفِيدُ التَّنْصِيصَ عَلَى تَحْرِيمِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ ‏(‏وَلَا يُكْرَهُ غَسْلُ بَدَنِهِ وَرَأْسِهِ بِخَطْمِيٍّ‏)‏ وَنَحْوِهِ كَسِدْرٍ مِنْ غَيْرِ نَتْفِ شَعْرٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِإِزَالَةِ الْوَسَخِ لَا لِلتَّزَيُّنِ وَالتَّنْمِيَةِ لَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ وَتَرْكُ الِاكْتِحَالِ الَّذِي لَا طِيبَ فِيهِ، وَقِيلَ يُكْرَهَانِ وَتَوَسَّطَ قَوْمٌ فِي الِاكْتِحَالِ، فَقَالُوا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ زِينَةٌ كَالتُّوتْيَا لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ كَانَ فِيهِ زِينَةٌ كَإِثْمِدٍ كُرِهَ إلَّا لِحَاجَةِ رَمَدٍ وَنَحْوِهِ وَصُحِّحَ هَذَا فِي الْمَجْمُوعِ نَقَلَهُ عَنْ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ‏:‏ إنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْكَرَاهَةُ فِي الْمَرْأَةِ أَشَدُّ، وَلِلْمُحْرِمِ الِاحْتِجَامُ وَالْفَصْدُ مَا لَمْ يَقْطَعْ بِهِمَا شَعْرًا وَلَهُ خَضْبُ لِحْيَتِهِ وَغَيْرِهَا مِنْ الشُّعُورِ بِالْحِنَّاءِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَمِّي الشَّعْرَ وَلَيْسَ طِيبًا، وَلَهُ إنْشَادُ الشِّعْرِ الْمُبَاحِ وَالنَّظَرُ فِي الْمِرْآةِ كَالْحَلَالِ فِيهِمَا‏.‏

المتن

الثَّالِثُ‏:‏ إزَالَةُ الشَّعْرِ أَوْ الظُّفْرِ، وَتَكْمُلُ الْفِدْيَةُ فِي ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَظْفَارٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فِي الشَّعْرَةِ مُدَّ طَعَامٍ، وَفِي الشَّعْرَتَيْنِ مُدَّيْنِ وَلِلْمَعْذُورِ أَنْ يَحْلِقَ وَيَفْدِيَ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏الثَّالِثُ‏)‏ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ ‏(‏إزَالَةُ الشَّعْرِ‏)‏ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ غَيْرِهِ بِحَلْقٍ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏أَوْ الظُّفْرِ‏)‏ مِنْ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ‏.‏

أَمَّا الشَّعْرُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ‏}‏ أَيْ شَعْرَهَا، وَشَعْرُ سَائِرِ الْجَسَدِ مُلْحَقٌ بِهِ بِجَامِعِ التَّرَفُّهِ‏.‏ وَأَمَّا الظُّفْرُ فَقِيَاسًا عَلَى الشَّعْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّرَفُّهِ وَالْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِبَعْضِ شَعْرَةٍ أَوْ ظُفْرٍ ‏(‏وَتَكْمُلُ الْفِدْيَةُ فِي‏)‏ إزَالَةِ ‏(‏ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ‏)‏ بِفَتْحِ الْعَيْنِ جَمْعُ شَعْرَةٍ بِسُكُونِهَا وَلَاءً ‏(‏أَوْ‏)‏ إزَالَةِ ‏(‏ثَلَاثَةِ أَظْفَارٍ‏)‏ كَذَلِكَ بِأَنْ اتَّحَدَ الْمَكَانُ وَالزَّمَانُ، وَالشَّعْرُ يَصْدُقُ بِالثَّلَاثِ، وَقِيسَ بِهَا الْأَظْفَارُ وَلَا يُعْتَبَرُ جَمِيعُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِي لِلْإِحْرَامِ وَالْجَاهِلِ بِالْحُرْمَةِ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَكَسَائِرِ الْإِتْلَافَاتِ، وَهَذَا بِخِلَافِ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ فِي التَّمَتُّعِ بِاللُّبْسِ وَالطِّيبِ وَالدَّهْنِ وَالْجِمَاعِ وَمُقَدَّمَاتِهِ لِاعْتِبَارِ الْعِلْمِ وَالْقَصْدِ فِيهِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيهَا‏.‏ نَعَمْ لَوْ أَزَالَهَا مَجْنُونٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ صَبِيٌّ غَيْرُ مُمَيِّزٍ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْمَجْمُوعِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْفِدْيَةُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي أَنَّهُمَا يَعْقِلَانِ فِعْلَهُمَا فَيُنْسَبَانِ إلَى تَقْصِيرٍ، بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ عَلَى أَنَّ الْجَارِيَ عَلَى قَاعِدَةِ الْإِتْلَافِ وُجُوبُهَا عَلَيْهِمْ أَيْضًا، وَمِثْلُهُمْ فِي ذَلِكَ النَّائِمُ، وَلَوْ أُزِيلَ ذَلِكَ بِقَطْعِ جِلْدٍ أَوْ عُضْوٍ لَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَا أُزِيلَ تَابِعٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْإِزَالَةِ، وَشَبَّهُوهُ بِالزَّوْجَةِ تُقْتَلُ فَلَا يَجِبُ مَهْرُهَا عَلَى الْقَاتِلِ، وَلَوْ أَرْضَعَتْهَا زَوْجَتُهُ الْأُخْرَى لَزِمَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ فِي تِلْكَ تَلِفَ تَبَعًا بِخِلَافِهِ فِي هَذِهِ‏.‏

أَمَّا إذَا لَمْ يُوَالِ بِأَنْ أَزَالَهَا فِي ثَلَاثِ أَمَاكِنَ أَوْ فِي مَكَان وَاحِدٍ وَلَمْ يَتَّحِدْ الزَّمَانُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مَا يَجِبُ عَلَيْهِ لَوْ انْفَرَدَتْ وَهُوَ مُدٌّ كَمَا سَيَأْتِي، وَحُكْمُ مَا فَوْقَ الثَّلَاثِ حُكْمُهَا كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى حَتَّى لَوْ حَلَقَ شَعْرَ رَأْسِهِ وَشَعْرَ بَدَنِهِ وَلَاءً أَوْ أَزَالَ أَظْفَارَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ كَذَلِكَ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ يُعَدُّ فِعْلًا وَاحِدًا ‏(‏وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فِي‏)‏ إزَالَةِ ‏(‏الشَّعْرَةِ‏)‏ الْوَاحِدَةِ أَوْ الظُّفْرِ الْوَاحِدِ أَوْ بَعْضِ شَيْءٍ مِنْ أَحَدِهِمَا ‏(‏مُدَّ طَعَامٍ، وَفِي الشَّعْرَتَيْنِ‏)‏ أَوْ الظُّفْرَيْنِ ‏(‏مُدَّيْنِ‏)‏ لِأَنَّ تَبْعِيضَ الدَّمِ فِيهِ عُسْرٌ، وَالشَّارِعُ قَدْ عَدَلَ الْحَيَوَانَ بِالْإِطْعَامِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ، وَالشَّعْرَةُ الْوَاحِدَةُ هِيَ النِّهَايَةُ فِي الْقِلَّةِ، وَالْمُدُّ أَقَلُّ مَا وَجَبَ فِي الْكَفَّارَاتِ فَقُوبِلَتْ الشَّعْرَةُ بِهِ‏.‏ وَالثَّانِي فِي الشَّعْرَةِ دِرْهَمٌ، وَفِي الثِّنْتَيْنِ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ الشَّاةَ كَانَتْ تُقَوَّمُ فِي عَصْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، فَاعْتُبِرَتْ تِلْكَ الْقِيمَةُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى التَّوْزِيعِ، وَالثَّالِثُ‏:‏ فِي الشَّعْرَةِ ثُلُثُ دَمٍ وَفِي الثِّنْتَيْنِ ثُلُثَا دَمٍ عَمَلًا بِالتَّقْسِيطِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ إذَا اخْتَارَ الدَّمَ، فَإِنْ اخْتَارَ الصِّيَامَ فَفِي الْوَاحِدَةِ مِنْهُمَا صَوْمُ يَوْمٍ، وَفِي الِاثْنَتَيْنِ صَوْمُ يَوْمَيْنِ، أَوْ الطَّعَامَ فَفِي وَاحِدَةٍ صَاعٌ، وَفِي اثْنَتَيْنِ صَاعَانِ، نَقَلَ ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْعِمْرَانِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ‏:‏ إنَّهُ مُتَعَيَّنٌ لَا مَحِيدَ عَنْهُ‏.‏

قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ وَكَلَامُ الْعِمْرَانِيِّ إنْ ظَهَرَ عَلَى قَوْلِنَا‏:‏ الْوَاجِبُ ثُلُثُ دَمٍ لَا يَظْهَرُ عَلَى قَوْلِنَا‏:‏ الْوَاجِبُ مُدٌّ إذْ يَرْجِعُ حَاصِلُهُ إلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمُدِّ وَالصَّاعِ، وَالشَّخْصُ لَا يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الشَّيْءِ وَبَعْضِهِ وَجَوَابُهُ الْمَنْعُ، فَإِنَّ الْمُسَافِرَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ، وَهُوَ تَخْيِيرٌ بَيْنَ الشَّيْءِ وَبَعْضِهِ، وَلَوْ انْسَلَّ مِنْهُ شَعْرٌ وَشَكَّ هَلْ سَلَّهُ الْمُشْطِ بَعْدَ انْتِتَافِهِ أَوْ نَتَفَهُ فَلَا فِدْيَةَ؛ لِأَنَّ النَّتْفَ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَيُكْرَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنْ يَمْتَشِطَ وَأَنْ يُفْلِي رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ وَأَنْ يَحُكَّ شَعْرَهُ لَا جَسَدَهُ بِأَظْفَارِهِ لَا بِأَنَامِلِهِ ‏(‏وَلِلْمَعْذُورِ‏)‏ فِي الْحَلْقِ لِإِيذَاءِ قَمْلٍ أَوْ وَسَخٍ أَوْ حَرٍّ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ‏(‏أَنْ يَحْلِقَ وَيَفْدِيَ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا‏}‏، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ فِي نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، ‏{‏أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ اُدْنُ فَدَنَوْتُ، فَقَالَ أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ ‏؟‏ قَالَ ابْنُ عَوْفٍ‏:‏ وَأَظُنُّهُ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، قَالَ فَأَمَرَنِي بِفِدْيَةٍ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ‏}‏‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَكَذَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ فِي كُلِّ مُحَرَّمٍ أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ إلَّا لُبْسَ السَّرَاوِيلِ وَالْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَوِقَايَةَ الرِّجْلِ عَنْ النَّجَاسَةِ مَأْمُورٌ بِهِمَا فَخُفِّفَ فِيهِمَا، وَالْحَصْرُ فِيمَا قَالَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا مَمْنُوعٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ فَقَدْ اُسْتُثْنِيَ صُوَرٌ لَا فِدْيَةَ فِيهَا‏.‏ مِنْهَا مَا إذَا أَزَالَ مَا نَبَتَ مِنْ الشَّعْرِ فِي عَيْنِهِ وَتَأَذَّى بِهِ، وَمِنْهَا مَا إذَا أَزَالَ قَدَمًا يُغَطِّيهَا مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ وَحَاجِبَيْهِ إذَا طَالَ بِحَيْثُ سَتَرَ بَصَرَهُ، وَمِنْهَا مَا لَوْ انْكَسَرَ ظُفْرُهُ فَقَطَعَ الْمُؤْذِيَ مِنْهُ فَقَطْ، وَيَأْثَمُ الْحَالِقُ بِلَا عُذْرٍ لِارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا، وَلَوْ حَلَقَ شَخْصٌ رَأْسَ مُحْرِمٍ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِ، أَوْ أَحْرَقَتْ نَارٌ شَعْرَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى دَفْعِهَا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ لِتَفْرِيطِهِ فِيمَا عَلَيْهِ حِفْظُهُ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْحَلْقِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ لِإِضَافَةِ الْفِعْلِ إلَيْهِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ الْمُبَاشَرَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأَمْرِ فَلِمَ قَدَّمَ عَلَيْهَا‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَا إذَا لَمْ يَعُدْ نَفْعُهُ عَلَى الْآمِرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَادَ كَمَا لَوْ غَصَبَ شَاةً فَأَمَرَ قَصَّابًا بِذَبْحِهَا لَمْ يَضْمَنْهَا إلَّا الْغَاصِبُ، فَإِنْ حَلَقَ بِلَا إذْنٍ مِنْهُ وَلَيْسَ قَادِرًا عَلَى مَنْعِهِ أَوْ كَانَ نَائِمًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَانَتْ الْفِدْيَةُ عَلَى الْحَالِقِ وَلَوْ حَلَالًا لِأَنَّهُ الْمُقَصِّرُ، وَلِلْمَحْلُوقِ مُطَالَبَتُهُ بِهَا لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِسَبَبِهِ، وَلِأَنَّ نُسُكَهُ يَتِمُّ بِأَدَائِهَا فَكَانَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهَا وَلَوْ أَخْرَجَهَا الْمَحْلُوقُ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ الْحَالِقِ لَمْ تَسْقُطُ عَنْهُ، بِخِلَافِ قَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ شَبِيهَةٌ بِالْكَفَّارَةِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي إخْرَاجِهَا سَقَطَتْ، وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ حَلْقُ شَعْرِ الْحَلَالِ، وَلَوْ أَمَرَ شَخْصٌ آخَرَ أَنْ يَحْلِقَ شَعْرَ مُحْرِمٍ نَائِمٍ أَوْ نَحْوَهُ فَحَلَقَ فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْآمِرِ إنْ جَهِلَ الْحَالِقُ الْحَالَ، أَوْ كَانَ أَعْجَمِيًّا يَعْتَقِدُ طَاعَةَ آمِرِهِ، أَوْ أُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا فَعَلَى الْحَالِقِ‏.‏

المتن

الرَّابِعُ‏:‏ الْجِمَاعُ وَتَفْسُدُ بِهِ الْعُمْرَةُ، وَكَذَا الْحَجُّ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، وَيَجِبُ بِهِ بَدَنَةٌ، وَالْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَالْقَضَاءُ، وَإِنْ كَانَ نُسُكُهُ تَطَوُّعًا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏الرَّابِعُ‏)‏ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ ‏(‏الْجِمَاعُ‏)‏ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ لِبَهِيمَةٍ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْحَلَالِ تَمْكِينُ زَوْجِهَا الْمُحْرِمِ مِنْ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْحَلَالِ جِمَاعُ زَوْجَتِهِ الْمُحْرِمَةِ، وَقَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ غَيْرَ الْجِمَاعِ لَا يَحْرُمُ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ تَحْرُمُ الْمُبَاشَرَةُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَكَذَا الِاسْتِمْنَاءُ بِالْيَدِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ إنْ أَنْزَلَ، لَكِنْ يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فِي الصُّورَتَيْنِ إنْ جَامَعَ بَعْدَ ذَلِكَ لِدُخُولِهِ فِي بَدَنَةِ الْجِمَاعِ ‏(‏وَتَفْسُدُ بِهِ الْعُمْرَةُ‏)‏ الْمُفْرَدَةُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا، أَمَّا غَيْرُ الْمُفْرَدَةِ فَهِيَ تَابِعَةٌ لِلْحَجِّ صِحَّةً وَفَسَادًا ‏(‏وَكَذَا‏)‏ يَفْسُدُ ‏(‏الْحَجُّ‏)‏ بِالْجِمَاعِ الْمَذْكُورِ ‏(‏قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ‏)‏ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِإِجْمَاعٍ وَبَعْدَهُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ صَادَفَ إحْرَامًا صَحِيحًا لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ فَأَشْبَهَ مَا قَبْلَ الْوُقُوفِ، وَلَوْ كَانَ الْمُجَامِعُ فِي الْعُمْرَةِ أَوْ الْحَجِّ رَقِيقًا أَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الْحَجِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَلَا رَفَثَ‏}‏ أَيْ لَا تَرْفُثُوا، فَلَفْظُهُ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ إذْ لَوْ بَقِيَ عَلَى الْخَبَرِ امْتَنَعَ وُقُوعُهُ فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّ إخْبَارَ اللَّهِ تَعَالَى صَدَقَ قَطْعًا مَعَ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ كَثِيرًا وَالْأَصْلُ فِي النَّهْيِ اقْتِضَاءُ الْفَسَادِ، وَقَاسُوا الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ‏.‏

أَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ مِنْ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ فَلَا يَفْسُدُ ذَلِكَ بِجِمَاعِهِ وَكَذَا النَّاسِي وَالْجَاهِلُ وَالْمُكْرَهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ قُيِّدَ فِي الْحَجِّ خَاصَّةً كَمَا تَقَرَّرَ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَيْسَ لَهَا إلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ كَمَا مَرَّ، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا إذَا وَقَعَ الْجِمَاعُ بَعْدَهُ، فَإِنَّ الْحَجَّ لَا يَفْسُدُ بِهِ وَكَذَا الْعُمْرَةُ التَّابِعَةُ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ تَفْسُدُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُفْهِمُهُ، وَلَوْ أَحْرَمَ مُجَامِعًا لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ، وَلَوْ أَحْرَمَ حَالَ النَّزْعِ صَحَّ فِي أَحَدِ الْأَوْجُهِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ؛ لِأَنَّ النَّزْعَ لَيْسَ بِجِمَاعٍ ‏(‏وَيَجِبُ بِهِ‏)‏ أَيْ الْجِمَاعِ الْمُفْسِدِ لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ عَلَى الرَّجُلِ ‏(‏بَدَنَةٌ‏)‏ بِصِفَةِ الْأُضْحِيَّةِ لِقَضَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ بِذَلِكَ، وَخَرَجَ بِالْجِمَاعِ الْمُفْسِدِ مَسْأَلَتَانِ‏:‏ إحْدَاهُمَا‏:‏ أَنْ يُجَامِعَ فِي الْحَجِّ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ‏.‏ الثَّانِيَةُ‏:‏ أَنْ يُجَامِعَ ثَانِيًا بَعْدَ جِمَاعِهِ الْأَوَّلِ قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ، فَفِي الصُّورَتَيْنِ إنَّمَا يَلْزَمُهُ شَاةٌ، وَبِالرَّجُلِ الْمَرْأَةُ وَإِنْ شَمِلَتْهَا عِبَارَتُهُ فَإِنَّهَا عَلَى الْخِلَافِ الْمَارِّ فِي الصَّوْمِ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا عَلَى الصَّحِيحِ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَاطِئُ زَوْجًا أَمْ غَيْرَهُ، مُحْرِمًا أَمْ حَلَالًا، وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُحْرِمَةً دُونَهُ أَنَّ عَلَيْهَا الْفِدْيَةَ، وَلَنَا هُنَا طَرِيقَةٌ قَاطِعَةٌ بِاللُّزُومِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ‏.‏ وَقِيلَ إنْ كَانَ الْوَاطِئُ لَا يَتَحَمَّلُ عَنْهَا فَعَلَيْهَا الْفِدْيَةُ‏.‏ وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَدَنَةَ حَيْثُ أُطْلِقَتْ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ الْمُرَادُ بِهَا الْبَعِيرُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَشَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ فِي سِنِّ الْأُضْحِيَّةِ كَمَا مَرَّ، وَلَا تُطْلَقُ هَذِهِ عَلَى غَيْرِ هَذَا‏.‏ وَأَمَّا أَهْلُ اللُّغَةِ فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ‏:‏ إنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى الْبَعِيرِ وَالْبَقَرَةِ، وَحَكَى الْمُصَنِّفُ فِي التَّهْذِيبِ وَالتَّحْرِيرِ عَنْ الْأَزْهَرِيِّ أَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى الشَّاةِ وَوَهَمَ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْبَدَنَةَ فَبَقَرَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا فَسَبْعُ شِيَاهٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا قَوَّمَ الْبَدَنَةَ وَاشْتَرَى بِقِيمَتِهَا طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ، فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانُ مَرَاتِبِ الدِّمَاءِ ‏(‏وَ‏)‏ يَجِبُ ‏(‏الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ‏)‏ أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ إفْتَاءِ جَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ، وَالْمُرَادُ بِالْمُضِيِّ فِيهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا كَانَ يَأْتِي بِهِ قَبْلَ الْجِمَاعِ وَيَتَجَنَّبَ مَا كَانَ يَتَجَنَّبُهُ قَبْلَهُ، فَإِنْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ فِي الْأَصَحِّ، وَهَذَا بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ لَا يَلْزَمُهُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهَا لِلْخُرُوجِ مِنْهَا بِالْفَسَادِ إذْ لَا حُرْمَةَ لَهَا بَعْدَهُ‏.‏ نَعَمْ يَجِبُ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ كَمَا مَرَّ وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ لِحُرْمَةِ زَمَنِهِ ‏(‏وَ‏)‏ يَجِبُ ‏(‏الْقَضَاءُ‏)‏ اتِّفَاقًا ‏(‏وَإِنْ كَانَ نُسُكُهُ تَطَوُّعًا‏)‏؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ فَصَارَ فَرْضًا بِخِلَافِ بَاقِي الْعِبَادَاتِ، وَإِذَا جَامَعَ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ فَسَدَ نُسُكُهُ وَيُجْزِئُهُ الْقَضَاءُ حَالَ الصِّبَا وَالرِّقِّ، وَيَلْزَمُ الْمُفْسِدَ فِي الْقَضَاءِ الْإِحْرَامُ مِمَّا أَحْرَمَ بِهِ فِي الْأَدَاءِ مِنْ مِيقَاتٍ أَوْ قَبْلَهُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهَا، فَإِنْ كَانَ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَلَوْ غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا لَزِمَهُ فِي الْقَضَاءِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ إلَّا إنْ سَلَكَ فِيهِ غَيْرَ طَرِيقِ الْأَدَاءِ فَإِنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ قَدْرِ مَسَافَةِ الْإِحْرَامِ فِي الْأَدَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ جَاوَزَ فِيهِ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَإِلَّا أَحْرَمَ مِنْ قَدْرِ مَسَافَةِ الْمِيقَاتِ‏.‏ وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَفْرَدَ الْحَجَّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ ثُمَّ أَفْسَدَهَا كَفَاهُ أَنْ يُحْرِمَ فِي قَضَائِهَا مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ، وَأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ سُلُوكُ طَرِيقِ الْأَدَاءِ‏.‏ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ قَدْرِ مَسَافَتِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ أَنْ يُحْرِمَ فِي الزَّمَنِ الَّذِي أَحْرَمَ فِيهِ بَلْ لَهُ التَّأْخِيرُ عَنْهُ وَالتَّقْدِيمُ عَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَجُوزُ الْإِحْرَامُ فِيهِ، وَفَارَقَ الْمَكَانَ فَإِنَّهُ يَنْضَبِطُ بِخِلَافِ الزَّمَانِ، وَلَوْ أَفْسَدَ الْقَضَاءَ الثَّانِيَ بِالْجِمَاعِ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَقَضَاءٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ وَاحِدٌ فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْهُ ‏(‏وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ‏)‏ أَيْ قَضَاءَ الْفَاسِدِ ‏(‏عَلَى الْفَوْرِ‏)‏ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ وَقْتُهُ مُوَسَّعًا يُضَيَّقُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، وَاسْتَشْكَلَ تَسْمِيَةُ ذَلِكَ قَضَاءً بِأَنَّ مَنْ أَفْسَدَ الصَّلَاةَ ثُمَّ أَعَادَهَا الْوَقْتَ كَانَتْ أَدَاءً لَا قَضَاءً لِوُقُوعِهَا فِي وَقْتِهَا الْأَصْلِيِّ خِلَافًا لِلْقَاضِي‏.‏ وَأَجَابَ السُّبْكِيُّ بِأَنَّهُمْ أَطْلَقُوا الْقَضَاءَ هُنَا عَلَى مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، وَبِأَنَّهُ يَتَضَيَّقُ بِالْإِحْرَامِ وَإِنْ لَمْ يَتَضَيَّقْ وَقْتُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِالشُّرُوعِ فِيهَا فَلَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهَا بَعْدَ الْإِفْسَادِ مُوقِعًا لَهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا، وَالنُّسُكُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ تَضَيَّقَ وَقْتُهُ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً فَإِنَّهُ يَنْتَهِي بِوَقْتِ الْفَوَاتِ فَفَعَلَهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ خَارِجَ وَقْتِهِ فَصَحَّ وَصْفُهُ بِالْقَضَاءِ وَأَيَّدَ وَلَدُهُ فِي التَّوْشِيحِ الْأَوَّلَ بِقَوْلِ ابْنِ يُونُسَ‏:‏ إنَّهُ أَدَاءٌ لَا قَضَاءٌ، وَتَصَوُّرُ قَضَاءِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْفَوْرِ وَاضِحٌ‏.‏ وَأَمَّا الْحَجُّ فَيُتَصَوَّرُ عَامَ الْإِفْسَادِ بِأَنْ يَتَحَلَّلَ بَعْدَهُ لِلْإِحْصَارِ ثُمَّ يُطْلِقَ مِنْ الْحَصْرِ أَوْ بِأَنْ يَرْتَدَّ بَعْدَهُ أَوْ يَتَحَلَّلَ كَذَلِكَ لِمَرَضٍ شُرِطَ التَّحَلُّلُ بِهِ ثُمَّ يُشْفَى وَالْوَقْتُ بَاقٍ فَيَشْتَغِلُ بِالْقَضَاءِ، وَلَوْ خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ لِقَضَاءِ نُسُكِهَا لَزِمَ الزَّوْجَ زِيَادَةُ نَفَقَةِ السَّفَرِ مِنْ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ ذَهَابًا وَإِيَابًا؛ لِأَنَّهَا غَرَامَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ فَلَزِمَتْهُ كَالْكَفَّارَةِ، وَلَوْ عَضِبَتْ لَزِمَهُ الْإِنَابَةُ عَنْهَا مِنْ مَالِهِ وَمُؤْنَةِ الْمَوْطُوءَةِ بِزِنًا أَوْ شُبْهَةٍ عَلَيْهَا‏.‏ وَأَمَّا نَفَقَةُ الْحَصْرِ فَلَا تَلْزَمُ الزَّوْجَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا، وَيُسَنُّ افْتِرَاقُهُمَا مِنْ حِينِ الْإِحْرَامِ إلَى أَنْ يَفْرُغَ التَّحَلُّلَانِ وَافْتِرَاقُهُمَا فِي مَكَانِ الْجِمَاعِ آكَدُ لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهِ‏.‏ فُرُوعٌ‏:‏ لَوْ أَفْسَدَ مُفْرِدٌ نُسُكَهُ فَتَمَتَّعَ فِي الْقَضَاءِ أَوْ قَرَنَ جَازَ وَكَذَا عَكْسُهُ، وَلَوْ أَفْسَدَ الْقَارِنُ نُسُكَهُ لَزِمَهُ بَدَنَةٌ وَاحِدَةٌ لِانْغِمَارِ الْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ وَلَزِمَهُ دَمٌ لِلْقِرَانِ الَّذِي أَفْسَدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَ بِالشُّرُوعِ فَلَا يَسْقُطُ بِالْإِفْسَادِ، وَلَزِمَهُ دَمٌ آخَرُ لِلْقِرَانِ الَّذِي الْتَزَمَهُ بِالْإِفْسَادِ فِي الْقَضَاءِ، وَلَوْ أَفْرَدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْإِفْرَادِ، وَلَوْ فَاتَ الْقَارِنُ الْحَجَّ لِفَوَاتِ الْوُقُوفِ فَاتَتْ الْعُمْرَةُ تَبَعًا لَهُ وَلَزِمَهُ دَمَانِ‏:‏ دَمٌ لِلْفَوَاتِ وَدَمٌ لِأَجْلِ الْقِرَانِ، وَفِي الْقَضَاءِ دَمٌ ثَالِثٌ‏.‏ وَلَوْ ارْتَدَّ فِي أَثْنَاءِ نُسُكِهِ فَسَدَ إحْرَامُهُ فَيَفْسُدُ نُسُكُهُ كَصَوْمِهِ وَصَلَاتِهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَا يَمْضِي فِيهِ‏.‏ وَإِنْ أَسْلَمَ لِعَدَمِ وُرُودِ شَيْءٍ فِيهِمَا بِخِلَافِ الْجِمَاعِ فَإِنَّهُ وَإِنْ أَفْسَدَ بِهِ نُسُكَهُ لَمْ يُفْسِدْ بِهِ إحْرَامَهُ حَتَّى يَلْزَمَهُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ كَمَا مَرَّ‏.‏

المتن

الْخَامِسُ‏:‏ اصْطِيَادُ كُلِّ مَأْكُولٍ بَرِّيٍّ‏.‏ قُلْت‏:‏ وَكَذَا الْمُتَوَلَّدُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَيَحْرُمُ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ عَلَى الْحَلَالِ، فَإِنْ أَتْلَفَ صَيْدًا ضَمِنَهُ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏الْخَامِسُ‏)‏ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ ‏(‏اصْطِيَادُ كُلِّ‏)‏ صَيْدٍ ‏(‏مَأْكُولٍ بَرِّيٍّ‏)‏ وَحْشِيٍّ كَبَقَرِ وَحْشٍ وَدَجَاجَةٍ وَحَمَامَةٍ ‏(‏قُلْت‏:‏ وَكَذَا الْمُتَوَلَّدُ مِنْهُ‏)‏ أَيْ الْمَأْكُولِ الْبَرِّيِّ الْوَحْشِيِّ ‏(‏وَمِنْ غَيْرِهِ‏)‏ كَمُتَوَلَّدٍ بَيْنَ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ وَحِمَارٍ أَهْلِيٍّ أَوْ بَيْنَ شَاةٍ وَظَبْيٍ ‏(‏وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ‏}‏ أَيْ أَخْذُهُ ‏{‏مَا دُمْتُمْ حُرُمًا‏}‏‏.‏ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِلِاحْتِيَاطِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِي الْمُتَوَلَّدِ بَيْنَ زَكَوِيٍّ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْمُوَاسَاةِ، وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ مَا تَوَلَّدَ بَيْنَ وَحْشِيٍّ غَيْرِ مَأْكُولٍ وَإِنْسِيٍّ مَأْكُولٍ كَالْمُتَوَلَّدِ بَيْنَ ذِئْبٍ وَشَاةٍ، وَمَا تَوَلَّدَ بَيْنَ غَيْرِ مَأْكُولَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا وَحْشِيٌّ كَالْمُتَوَلَّدِ بَيْنَ حِمَارٍ وَذِئْبٍ، وَمَا تَوَلَّدَ بَيْنَ أَهْلِيَّيْنِ أَحَدُهُمَا غَيْرُ مَأْكُولٍ كَالْبَغْلِ فَلَا يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِشَيْءٍ مِنْهَا ‏(‏وَ‏)‏ حِينَئِذٍ ‏(‏يَحْرُمُ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ اصْطِيَادُ الْمَأْكُولِ الْبَرِّيِّ وَالْمُتَوَلَّدِ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ ‏(‏فِي الْحَرَمِ عَلَى الْحَلَالِ‏)‏ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا مُلْتَزِمَ الْأَحْكَامِ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ‏"‏ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ قَالَ‏:‏ ‏{‏إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ لَا يُعْضَدُ شَجَرُهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ‏}‏ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ‏.‏ أَيْ لَا يَجُوزُ تَنْفِيرُ صَيْدِهِ لِمُحْرِمٍ وَلَا حَلَالٍ فَغَيْرُ التَّنْفِيرِ أَوْلَى، وَقِيسَ بِمَكَّةَ بَاقِي الْحَرَمِ ‏(‏فَإِنْ أَتْلَفَ‏)‏ مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ ‏(‏صَيْدًا‏)‏ مِمَّا ذُكِرَ مَمْلُوكًا أَوْ غَيْرَ مَمْلُوكٍ ‏(‏ضَمِنَهُ‏)‏ بِمَا يَأْتِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا‏}‏، وَقِيسَ بِالْمُحْرِمِ الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ الْآتِي ذِكْرُهُ بِجَامِعِ حُرْمَةِ التَّعَرُّضِ فَيَضْمَنُ سَائِرَ أَجْزَائِهِ كَشَعْرٍ وَرِيشٍ بِالْقِيمَةِ وَكَذَا لَبَنُهُ، وَيَضْمَنُ أَيْضًا مَا تَلِفَ فِي يَدِهِ وَلَوْ وَدِيعَةً كَالْغَاصِبِ لِحُرْمَةِ إمْسَاكِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَدْخَلَ الْحَلَالُ مَعَهُ إلَى الْحَرَمِ صَيْدًا مَمْلُوكًا لَهُ لَا يَضْمَنُهُ بَلْ لَهُ إمْسَاكُهُ فِيهِ وَذَبْحُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ لِأَنَّهُ صَيْدٌ حَلَّ‏.‏ وَلَوْ دَلَّ الْمُحْرِمُ آخَرَ عَلَى صَيْدٍ لَيْسَ فِي يَدِهِ فَقَتَلَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ حِفْظَهُ أَوْ فِي يَدِهِ وَالْقَاتِلُ حَلَالٌ ضَمِنَ الْمُحْرِمُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ حِفْظَهُ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالْمُودَعِ إذَا دَلَّ سَارِقًا عَلَى الْوَدِيعَةِ، وَلَوْ رَمَى صَيْدًا قَبْلَ إحْرَامِهِ فَأَصَابَهُ بَعْدَهُ أَوْ عَكَسَ ضَمِنَ تَغْلِيبًا الْإِحْرَامِ فِيهِمَا، وَفَارَقَ ذَلِكَ مَا لَوْ رَمَى إلَى مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ ثُمَّ أَصَابَهُ فَقُتِلَ بِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِمَا أَحْدَثَهُ مِنْ إهْدَارِهِ، وَلَوْ نَصَبَ نَحْوَ شَبَكَةٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ أَوْ فِي الْحَرَمِ ضَمِنَ مَا وَقَعَ فِيهَا وَتَلِفَ، سَوَاءٌ أَنَصَبَهَا فِي مِلْكِهِ أَمْ فِي غَيْرِهِ وَوَقَعَ الصَّيْدُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ أَمْ بَعْدَهُ أَمْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَوْ نَصَبَهَا لِلْخَوْفِ عَلَيْهَا مِنْ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ، وَلَوْ نَصَبَهَا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ وَهُوَ حَلَالٌ ثُمَّ أَحْرَمَ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ أَرْسَلَ الْمُحْرِمُ كَلْبًا أَوْ حَلَّ رِبَاطَهُ وَالصَّيْدُ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ ثُمَّ ظَهَرَ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ كَحَلَالٍ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ، وَكَذَا لَوْ انْحَلَّ بِتَقْصِيرِهِ، وَلَوْ رَمَى صَيْدًا فَنَفَذَ مِنْهُ إلَى صَيْدٍ آخَرَ فَقَتَلَهُمَا ضَمِنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الضَّمَانِ بَيْنَ الْعَامِدِ وَالْخَاطِئِ وَالْجَاهِلِ بِالتَّحْرِيمِ وَالنَّاسِي لِلْإِحْرَامِ، وَالتَّعَمُّدُ فِي الْآيَةِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ‏.‏ ‏.‏ لَكِنْ‏.‏ يُسْتَثْنَى مِنْ الضَّمَانِ مَسَائِلُ‏:‏ مِنْهَا مَا لَوْ بَاضَ حَمَامٌ أَوْ غَيْرُهُ فِي فِرَاشِهِ أَوْ نَحْوِهِ وَفَرَّخَ وَلَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ إلَّا بِالتَّعَرُّضِ لَهُ فَفَسَدَ بِذَلِكَ، وَمِنْهَا مَا لَوْ انْقَلَبَ عَلَيْهِ فِي نَوْمِهِ فَأَفْسَدَهُ، أَوْ جُنَّ فَقَتَلَ صَيْدًا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ هَذَا إتْلَافٌ وَالْمَجْنُونُ فِيهِ كَالْعَاقِلِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ إتْلَافًا فَهُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَفُرِّقَ فِيهِ بَيْنَ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ التَّمْيِيزِ وَغَيْرِهِ وَتَقَدَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَلْقِ الشَّعْرِ، وَيَأْتِي أَيْضًا مَا تَقَدَّمَ هُنَاكَ، وَمِنْهَا مَا لَوْ أَخَذَ الصَّيْدَ تَخْلِيصًا مِنْ سَبُعٍ أَوْ مُدَاوِيًا لَهُ أَوْ لِيَتَعَهَّدَهُ فَمَاتَ فِي يَدِهِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ صَالَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ دَفْعًا فَلَا ضَمَانَ فِي الْجَمِيعِ، وَلَوْ اُضْطُرَّ الْمُحْرِمُ وَأَكَلَ الصَّيْدَ بَعْدَ ذَبْحِهِ ضَمِنَ، وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ الْمُحْرِمُ عَلَى قَتْلِهِ ضَمِنَهُ وَيَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ لَهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْحَرَمِ حَالٌ مِنْ ذَا الْمُشَارِ بِهِ إلَى الِاصْطِيَادِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالصَّائِدِ، وَالصَّيْدُ صَادِقٌ بِمَا إذَا كَانَ فِي الْحَرَمِ أَوْ أَحَدُهُمَا فِيهِ، وَالْآخَرُ فِي الْحِلِّ‏:‏ كَأَنْ رَمَى مِنْ الْحَرَمِ صَيْدًا فِي الْحِلِّ أَوْ عَكْسُهُ، أَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا فِي الصُّورَتَيْنِ فَيَضْمَنُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، أَوْ رَمَى صَيْدًا مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحِلِّ فَاعْتَرَضَ السَّهْمُ الْحَرَمَ ضَمِنَ، وَفِي مِثْلِهِ فِي إرْسَالِ الْكَلْبِ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّيْدِ مَهْرَبٌ إلَّا بِالدُّخُولِ فِي الْحَرَمِ، وَلَوْ أَرْسَلَ الْكَلْبَ فِي الْحِلِّ إلَى الصَّيْدِ فِي الْحِلِّ فَدَخَلَ الْحَرَمَ فَقَتَلَهُ فِيهِ أَوْ قَتَلَ فِيهِ صَيْدًا غَيْرَهُ لَمْ يَضْمَنْ بِخِلَافِ نَظِيرِهِمَا فِي السَّهْمِ، وَلَوْ رَمَى صَيْدًا بَعْضُ قَوَائِمِهِ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ، وَلَوْ سَعَى الصَّيْدُ مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ فَقَتَلَهُ الْحَلَالُ، أَوْ سَعَى مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحِلِّ وَلَكِنْ سَلَكَ فِي أَثْنَاءِ سَعْيِهِ الْحَرَمَ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ قَطْعًا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ ذَبَحَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ أَوْ الْحَلَالُ صَيْدَ الْحَرَمِ صَارَ مَيْتَةً وَحَرُمَ عَلَيْهِ أَكْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَلِأَنَّهُ إذَا حَرُمَ مَا أَعَانَ عَلَيْهِ فَمَا ذَبَحَهُ أَوْلَى، وَهَلْ يَتَأَبَّدُ عَلَيْهِ التَّحْرِيمُ أَوْ مُدَّةَ إحْرَامِهِ قَوْلَانِ‏:‏ أَظْهَرُهُمَا الْأَوَّلُ، وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى وَضَمِنَهُ لِمَالِكِهِ، وَيَحْرُمُ أَكْلُهُ عَلَى غَيْرِهِ حَلَالًا كَانَ أَوْ مُحْرِمًا؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الذَّبْحِ لِمَعْنًى فِيهِ كَالْمَجُوسِيِّ، وَلَوْ كَسَرَ الْمُحْرِمُ أَوْ الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ بَيْضَ صَيْدٍ أَوْ قَتَلَ جَرَادًا كَذَلِكَ ضَمِنَهُ، وَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي مَوْضِعٍ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، وَلَوْ حَلَبَ لَبَنَ صَيْدٍ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ، وَلَا يَمْلِكُ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَقَبُولِ الْوَصِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ عَنْهُ بِالْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ مَنْ يَمْنَعُ مِنْ إدَامَةِ الْمِلْكِ فَأَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ابْتِدَائِهِ ‏"‏ وَلِأَنَّهُ أُهْدِيَ إلَيْهِ حِمَارُ وَحْشٍ فَرَدَّهُ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِ الْمُهْدِي، فَقَالَ‏:‏ إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلَّا أَنَّا حُرُمٌ ‏"‏ فَلَيْسَ لَهُ قَبْضُهُ فَإِنْ قَبَضَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ وَدِيعَةٍ لَا هِبَةٍ وَأَرْسَلَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْمَالِكِ وَسَقَطَ الْجَزَاءُ بِخِلَافِهِ فِي الْهِبَةِ لَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ كَالصَّحِيحِ فِي الضَّمَانِ وَالْهِبَةِ غَيْرِ الْمَضْمُونَةِ‏.‏ وَإِنْ رَدَّهُ لِمَالِكِهِ سَقَطَتْ الْقِيمَةُ لَا الْجَزَاءُ مَا لَمْ يُرْسِلْ وَيَمْلِكُهُ بِالْإِرْثِ وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ إلَّا بِإِرْسَالِهِ كَمَا صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ فِي الْمَجْمُوعِ لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ قَهْرًا؛ وَيَجِبُ إرْسَالُهُ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ، فَلَوْ بَاعَهُ صَحَّ وَضَمِنَ الْجَزَاءَ مَا لَمْ يُرْسِلْ حَتَّى لَوْ مَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَزِمَ الْبَائِعَ الْجَزَاءُ‏.‏ وَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ صَيْدٌ فَأَحْرَمَ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَلَزِمَهُ إرْسَالُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ لِلدَّوَامِ فَتَحْرُمُ اسْتَدَامَتْهُ كَاللِّبَاسِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ، فَلَوْ لَمْ يُرْسِلْهُ حَتَّى تَحَلَّلَ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ، إذْ لَا يَرْتَفِعُ اللُّزُومُ بِالتَّعَدِّي، بِخِلَافِ مَنْ أَمْسَكَ خَمْرًا غَيْرَ مُحْتَرَمَةٍ حَتَّى تَخَلَّلَتْ لَا يَلْزَمُهُ إرَاقَتُهَا، وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْخَمْرَةَ انْتَقَلَتْ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ هَلَّا كَانَ تَحَلُّلُهُ كَإِسْلَامِ الْكَافِرِ بَعْدَ أَنْ مَلَكَ عَبْدًا مُسْلِمًا حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ‏.‏ ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِحْرَامَ أَضْيَقُ مِنْ ذَلِكَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَى الْمُحْرِمِ اسْتِعَارَةُ الصَّيْدِ وَاسْتِيدَاعُهُ وَاسْتِئْجَارُهُ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ فِي الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ، وَإِذَا زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ لَا غُرْمَ إذَا قَتَلَ أَوْ أَرْسَلَهُ، وَمَنْ أَخَذَهُ وَلَوْ قَبْلَ إرْسَالِهِ وَلَيْسَ مُحْرِمًا مَلَكَهُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ لُزُومِ الْإِرْسَالِ صَارَ مُبَاحًا، وَلَوْ مَاتَ فِي يَدِهِ ضَمِنَهُ وَلَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إرْسَالِهِ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ إرْسَالُهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ كَنَظِيرِهِ فِي إلْزَامِ الصَّلَاةِ لِمَنْ جُنَّ بَعْدَ مُضِيِّ مَا يَسَعُهَا مِنْ وَقْتِهَا دُونَ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ فِعْلِهِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَلَا يَجِبُ إرْسَالُهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ أَحْرَمَ أَحَدُ مَالِكَيْهِ تَعَذَّرَ إرْسَالُهُ فَيَلْزَمُهُ رَفْعُ يَدِهِ عَنْهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ‏.‏

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَلَوْ كَانَ فِي مِلْكِ الصَّبِيِّ صَيْدٌ فَهَلْ يَلْزَمُ الْوَلِيَّ إرْسَالُهُ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ كَمَا يَغْرَمُ قِيمَةَ النَّفَقَةِ الزَّائِدَةِ بِالسَّفَرِ ‏؟‏ فِيهِ احْتِمَالٌ ا هـ‏.‏ وَيَنْبَغِي اللُّزُومُ‏.‏ وَلَوْ حَفَرَ الْمُحْرِمُ بِئْرًا حَيْثُ كَانَ أَوْ حَفَرَهَا حَلَالٌ فِي الْحَرَمِ فَأَهْلَكَ صَيْدًا نَظَرْت، فَإِنْ حَفَرَهَا عُدْوَانًا ضَمِنَ وَإِلَّا فَالْحَافِرُ فِي الْحَرَمِ فَقَطْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَرَمِ لَا تَخْتَلِفُ، وَلَوْ اسْتَعَارَ حَلَالٌ صَيْدًا وَأَتْلَفَهُ مُحْرِمًا ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ لِمَالِكِهِ وَبِمِثْلِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي بَيْتَيْنِ، فَقَالَ‏:‏ عِنْدِي سُؤَالٌ حَسَنٌ مُسْتَظْرَفٌ فَرْعٌ عَلَى أَصْلَيْنِ قَدْ تَفَرَّعَا قَابِضُ شَيْءٍ بِرِضَا مَالِكِهِ وَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ وَالْمِثْلَ مَعَا‏.‏

المتن

فَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ، وَفِي بَقَرِ الْوَحْشِ، وَحِمَارِهِ بَقَرَةٌ، وَالْغَزَالِ عَنْزٌ، وَالْأَرْنَبِ عَنَاقٌ، وَالْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ‏.‏

الشَّرْحُ

وَلَوْ دَخَلَ كَافِرٌ الْحَرَمَ وَأَتْلَفَ صَيْدًا ضَمِنَهُ، وَقِيلَ‏:‏ لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ حُرْمَتُهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ كَالْمُسْلِمِ فِي كَيْفِيَّةِ الضَّمَانِ إلَّا فِي الصَّوْمِ‏.‏ وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّيْدَ ضَرْبَانِ‏:‏ مَا لَهُ مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ فِي الصُّورَةِ وَالْخِلْقَةِ تَقْرِيبًا فَيَضْمَنُ بِهِ، وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَيَضْمَنُ بِالْقِيمَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَقْلٌ، وَمِنْ الْأَوَّلِ مَا فِيهِ نَقْلٌ بَعْضُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْضُهُ عَنْ السَّلَفِ فَيُتْبَعُ، وَقَدْ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ ذَلِكَ، فَقَالَ ‏(‏فَفِي‏)‏ إتْلَافِ ‏(‏النَّعَامَةِ‏)‏ بِفَتْحِ النُّونِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ‏(‏بَدَنَةٌ‏)‏ كَذَلِكَ فَلَا تُجْزِئُ بَقَرَةٌ وَلَا سَبْعُ شِيَاهٍ أَوْ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ يُرَاعَى فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ ‏(‏وَفِي‏)‏ وَاحِدٍ مِنْ ‏(‏بَقَرِ الْوَحْشِ، وَ‏)‏ فِي وَاحِدٍ مِنْ ‏(‏حِمَارِهِ‏)‏ أَيْ الْوَحْشِ ‏(‏بَقَرَةٌ‏)‏ أَيْ وَاحِدٌ مِنْ الْبَقَرِ ‏(‏وَ‏)‏ فِي ‏(‏الْغَزَالِ‏)‏ وَهُوَ وَلَدُ الظَّبْيَةِ إلَى أَنْ يَطْلُعَ قَرْنَاهُ مَعْزٌ صَغِيرٌ، فَفِي الذَّكَرِ جَدْيٌ أَوْ جَفْرَةٌ وَالْأُنْثَى عَنَاقٌ أَوْ جَفْرَةٌ عَلَى حَسَبِ جِسْمِ الصَّيْدِ، فَإِنْ طَلَعَ قَرْنَاهُ سُمِّيَ الذَّكَرُ ظَبْيًا وَالْأُنْثَى ظَبْيَةً، وَفِيهَا ‏(‏عَنْزٌ‏)‏ وَهِيَ أُنْثَى الْمَعْزِ الَّتِي تَمَّ لَهَا سَنَةٌ ‏(‏وَ‏)‏ فِي ‏(‏الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ‏)‏ وَهِيَ أُنْثَى الْمَعْزِ إذَا قَوِيَتْ مَا لَمْ تَبْلُغْ سَنَةً ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْرِيرِهِ وَغَيْرِهِ وَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا أُنْثَى الْمَعْزِ مِنْ حِينِ تُولَدُ حَتَّى تَرْعَى، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْأَوَّلِ‏.‏ ‏(‏وَ‏)‏ فِي ‏(‏الْيَرْبُوعِ‏)‏ أَوْ الْوَبْرِ بِإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ ‏(‏جَفْرَةٌ‏)‏ وَهِيَ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أُنْثَى الْمَعْزِ إذَا بَلَغَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَفُصِلَتْ عَنْ أُمِّهَا، وَالذَّكَرُ جَفْرٌ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ جَفَرَ جَنْبَاهُ، أَيْ عَظُمَا، هَذَا مَعْنَاهُمَا لُغَةً‏.‏

قَالَ الشَّيْخَانِ لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْجَفْرَةِ هُنَا مَا دُونَ الْعَنَاقِ إذْ الْأَرْنَبُ خَيْرٌ مِنْ الْيَرْبُوعِ، وَفِي الضَّبُعِ كَبْشٌ، وَفِي الثَّعْلَبِ شَاةٌ، وَفِي الضَّبِّ أَوْ أَمِّ حُبَيْنٍ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَهِيَ دَابَّةٌ عَلَى خِلْقَةِ الْحِرْبَاءِ عَظِيمَةُ الْبَدَنِ‏:‏ جَدْيٌ‏.‏

المتن

وَمَا لَا نَقْلَ فِيهِ يَحْكُمُ بِمِثْلِهِ عَدْلَانِ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَمَا لَا نَقْلَ فِيهِ‏)‏ مِنْ الصَّيْدِ عَمَّنْ سَيَأْتِي ‏(‏يَحْكُمُ بِمِثْلِهِ‏)‏ مِنْ النَّعَمِ ‏(‏عَدْلَانِ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ‏}‏، وَالْعِبْرَةُ فِي الْمُمَاثَلَةِ بِالْخِلْقَةِ وَالصُّورَةِ تَقْرِيبًا لَا تَحْقِيقًا فَأَيْنَ النَّعَامَةُ مِنْ الْبَدَنَةِ، لَا بِالْقِيمَةِ‏.‏ فَيَلْزَمُ فِي الْكَبِيرِ كَبِيرٌ، وَفِي الصَّغِيرِ صَغِيرٌ، وَفِي الذَّكَرِ ذَكَرٌ، وَفِي الْأُنْثَى أُنْثَى، وَفِي الصَّحِيحِ صَحِيحٌ، وَفِي الْمَعِيبِ مَعِيبٌ إنْ اتَّحَدَ جِنْسُ الْعَيْبِ، وَلَوْ اخْتَلَفَ مَحَلُّهُ كَأَنْ كَانَ عَوَرُ أَحَدِهِمَا فِي الْيَمِينِ وَالْآخَرِ فِي الْيَسَارِ، فَإِنْ اخْتَلَفَ كَالْعَوَرِ وَالْجَرَبِ فَلَا، وَفِي السَّمِينِ سَمِينٌ، وَفِي الْهَزِيلِ هَزِيلٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ فُدِيَ الْمَرِيضُ بِالصَّحِيحِ، أَوْ الْمَعِيبُ بِالسَّلِيمِ، أَوْ الْهَزِيلُ بِالسَّمِينِ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَيُجْزِئُ فِدَاءُ الذَّكَرِ بِالْأُنْثَى وَعَكْسُهُ، لَكِنَّ الذَّكَرَ أَفْضَلُ، وَيَجِبُ فِي الْحَامِلِ حَامِلٌ وَلَا تُذْبَحُ بَلْ تُقَوَّمُ، فَإِنْ أَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَمَاتَتْ فَكَقَتْلِ الْحَامِلِ وَإِنْ عَاشَتْ ضَمِنَ نَقْصَهَا، أَوْ حَيًّا وَمَاتَا ضَمِنَهُمَا، أَوْ مَاتَ دُونَهَا ضَمِنَهُ وَنَقْصَهَا وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَامِلًا وَحَائِلًا، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعَدْلَانِ فَقِيهَيْنِ فَطِنَيْنِ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ أَعْرَفُ بِالشَّبَهِ الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا، وَعَلَّلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وُجُوبَ اعْتِبَارِ الْفِقْهِ بِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ فَلَمْ يَجُزْ إلَّا بِقَوْلِ مَنْ يَجُوزُ حُكْمُهُ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إنَّهُ لَا يَكْفِي الْخُنْثَى وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ وُجُوبِ الْفِقْهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْفِقْهِ الْخَاصِّ بِمَا يُحْكَمُ بِهِ هُنَا‏.‏ وَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّ الْفِقْهَ مُسْتَحَبٌّ مَحْمُولٌ عَلَى زِيَادَتِهِ، وَيَحْكُمُ الْعَدْلَانِ بِالْمِثْلِ فِيمَا قَتَلَاهُ بِلَا عُدْوَانٍ كَخَطَأٍ أَوْ اضْطِرَارٍ إلَيْهِ‏:‏ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَمَرَ رَجُلًا قَتَلَ ظَبْيًا بِالْحُكْمِ فِيهِ فَحَكَمَ فِيهِ بِجَدْيٍ فَوَافَقَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ، وَلِأَنَّهُ حَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى فَكَانَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَمِينًا فِيهِ كَالزَّكَاةِ‏.‏

أَمَّا الْعُدْوَانُ وَالْعِلْمُ بِالتَّحْرِيمِ فَلَا يَحْكُمَانِ لِفِسْقِهِمَا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كَبِيرَةً فَكَيْفَ تَسْقُطُ الْعَدَالَةُ بِارْتِكَابِهِ مَرَّةً‏.‏ أُجِيبَ بِمَنْعِ ذَلِكَ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ لِأَنَّهُ إتْلَافُ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ بِلَا ضَرُورَةٍ وَلَا فَائِدَةَ، وَلَوْ حَكَمَ عَدْلَانِ بِمِثْلٍ وَآخَرَانِ بِمِثْلٍ أَوْ بِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ تَخَيَّرَ مَنْ لَزِمَهُ الْمِثْلُ فِي الْأَوْلَى كَمَا فِي اخْتِلَافِ الْمُفْتِيَيْنِ وَقُدِّمَ مُثْبِتَيْ الْمِثْلِ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ مَعَهُمَا زِيَادَةَ عِلْمٍ بِمَعْرِفَةِ دَقِيقِ الشَّبَهِ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ‏:‏ وَمَا لَا نَقْلَ فِيهِ عَنْ حَيَوَانٍ فِيهِ نَصٌّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَنْ صَحَابِيَّيْنِ، أَوْ عَنْ عَدْلَيْنِ مِنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ‏.‏

قَالَ فِي الْكِفَايَةِ‏:‏ أَوْ عَنْ صَحَابِيٍّ مَعَ سُكُوتِ الْبَاقِينَ فَيُتْبَعُ مَا حَكَمُوا بِهِ، وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلُ كُلِّ مُجْتَهِدٍ غَيْرِ صَحَابِيٍّ مَعَ سُكُوتِ الْبَاقِينَ‏.‏

المتن

وَفِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ الْقِيمَةُ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَ‏)‏ يَجِبُ ‏(‏فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ‏)‏ مِمَّا لَا نَقْلَ فِيهِ كَالْجَرَادِ وَبَقِيَّةِ الطُّيُورِ مَا عَدَا الْحَمَامَ لِمَا سَيَأْتِي، سَوَاءٌ أَكَانَ أَكْبَرَ جُثَّةً مِنْ الْحَمَامِ أَمْ لَا كَالْعُصْفُورِ ‏(‏الْقِيمَةُ‏)‏ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي الْمُتَقَوِّمَاتِ، وَقَدْ حَكَمَتْ الصَّحَابَةُ بِهَا فِي الْجَرَادِ، وَلِأَنَّهُ مَضْمُونٌ لَا مِثْلَ لَهُ فَضَمِنَ بِالْقِيمَةِ كَمَالِ الْآدَمِيِّ وَيُرْجَعُ فِي الْقِيمَةِ إلَى عَدْلَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَالْعِبْرَةُ فِي هَذِهِ الْقِيمَةِ بِمَوْضِعِ الْإِتْلَافِ أَوْ التَّلَفِ لَا بِمَكَّةَ عَلَى الْمَذْهَبِ أَمَّا مَا لَا مِثْلَ لَهُ مِمَّا فِيهِ نَقْلٌ وَهُوَ الْحَمَامُ، وَهُوَ مَا عَبَّ أَيْ شَرِبَ الْمَاءَ بِلَا مَصٍّ وَهَدَرَ - أَيْ رَجَّعَ صَوْتَهُ - وَغَرَّدَ كَالْيَمَامِ وَالْقُمْرِيِّ وَالدَّلَسِيِّ وَالْفَاخِتَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ كُلِّ مُطَوَّقٍ، فَفِي الْوَاحِدَةِ مِنْهَا شَاةٌ مِنْ ضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ بِحُكْمِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، فَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَفِي مُسْتَنَدِهِمْ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا تَوْقِيفٌ بَلَغَهُمْ فِيهِ‏.‏ وَالثَّانِي مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الشَّبَهِ وَهُوَ إلْفُ الْبُيُوتِ، وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ الْحَمَامِ، إذْ لَا يَأْتِي فِي الْفَوَاخِتِ وَنَحْوِهَا، وَأَلْحَقَ الْجُرْجَانِيِّ الْهُدْهُدَ بِالْحَمَامِ فِي التَّضْمِينِ بِشَاةٍ‏.‏ وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْهُدْهُدَ الرَّاجِحُ فِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ‏.‏ فُرُوعٌ‏:‏ لَوْ أَزَالَ إحْدَى مَنَعَتَيْ النَّعَامَةِ وَنَحْوِهَا وَهُمَا قُوَّةُ عَدْوِهَا وَطَيَرَانِهَا اُعْتُبِرَ النَّقْصُ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ، فَالزَّائِلُ بَعْضُ الِامْتِنَاعِ فَيَجِبُ النَّقْصُ لَا الْجَزَاءُ الْكَامِلُ، وَلَوْ جَرَحَ ظَبْيًا وَانْدَمَلَ جُرْحُهُ بِلَا إزْمَانٍ فَنَقَصَ عُشْرُ قِيمَتِهِ فَعَلَيْهِ عُشْرُ شَاةٍ لَا عُشْرُ قِيمَتِهَا تَحْقِيقًا لِلْمُمَاثَلَةِ، فَإِنْ بَرِئَ وَلَا نَقْصَ فِيهِ فَالْأَرْشُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَالْحُكُومَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآدَمِيِّ فَيُقَدِّرُ الْقَاضِي فِيهِ شَيْئًا بِاجْتِهَادِهِ مُرَاعِيًا فِي اجْتِهَادِهِ مِقْدَارَ الْوَجَعِ الَّذِي أَصَابَهُ‏.‏ وَعَلَيْهِ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ أَرْشُهُ، وَلَوْ أَزْمَنَ صَيْدًا لَزِمَهُ جَزَاؤُهُ كَامِلًا كَمَا لَوْ أَزْمَنَ عَبْدًا لَزِمَهُ كُلُّ قِيمَتِهِ، فَإِنْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فَعَلَى الْقَاتِلِ جَزَاؤُهُ مُزْمِنًا أَوْ قَتَلَهُ الْمُزْمِنُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ أَوْ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ مُزْمِنًا‏.‏ وَلَوْ جَرَحَ صَيْدًا فَغَابَ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا وَشَكَّ أَمَاتَ بِجُرْحِهِ أَمْ بِحَادِثٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ غَيْرُ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَمَّا زَادَ‏.‏

المتن

وَيَحْرُمُ قَطْعُ نَبَاتِ الْحَرَمِ الَّذِي لَا يُسْتَنْبَتُ، وَالْأَظْهَرُ تَعَلُّقُ الضَّمَانِ بِهِ وَبِقَطْعِ أَشْجَارِهِ فَفِي الشَّجَرَةِ الْكَبِيرَةِ بَقَرَةٌ وَالصَّغِيرَةِ شَاةٌ قُلْت‏:‏ وَالْمُسْتَنْبَتُ كَغَيْرِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ

الشَّرْحُ

‏(‏وَيَحْرُمُ‏)‏ عَلَى مُحْرِمٍ وَحَلَالٍ ‏(‏قَطْعُ‏)‏ أَوْ قَلْعُ ‏(‏نَبَاتِ الْحَرَمِ‏)‏ الرَّطْبِ ‏(‏الَّذِي لَا يُسْتَنْبَتُ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ لَا يَسْتَنْبِتَهُ الْآدَمِيُّونَ بِأَنْ يَنْبُتَ بِنَفْسِهِ كَالطَّرْفَاءِ شَجَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ الْمَارِّ ‏"‏ وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهُ ‏"‏ أَيْ لَا يُقْطَعُ ‏"‏ وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهُ ‏"‏ وَهُوَ بِالْقَصْرِ‏:‏ الْحَشِيشُ الرَّطْبُ‏:‏ أَيْ لَا يُنْتَزَعُ بِقَطْعٍ وَلَا بِقَلْعٍ، وَقِيسَ بِمَا فِي الْخَبَرِ غَيْرُهُ مِمَّا ذُكِرَ، وَخَرَجَ بِالرَّطْبِ الْحَشِيشُ الْيَابِسُ فَيَجُوزُ قَطْعُهُ لَا قَلْعُهُ وَالشَّجَرُ الْيَابِسُ فَيَجُوزُ قَطْعُهُ وَقَلْعُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الشَّجَرِ وَالْحَشِيشِ فِي الْقَلْعِ أَنَّ الْحَشِيشَ يَنْبُتُ بِنُزُولِ الْمَاءِ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَهَذَا لَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ الْحَشِيشَ إذَا جَفَّ وَمَاتَ يَجُوزُ قَلْعُهُ؛ لِأَنَّ الْيَابِسَ قَدْ يَفْسُدُ مَنْبَتُهُ وَيَمُوتُ أَيْ فَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا وَالْأَوَّلُ عَلَى خِلَافِهِ، وَبِالْحَرَمِ نَبَاتُ الْحِلِّ إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْضُ أَصْلِهِ فِي الْحَرَمِ فَيَجُوزُ قَطْعُهُ وَقَلْعُهُ وَلَوْ بَعْدَ غَرْسِهِ فِي الْحَرَمِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَلَوْ قَلَعَ شَجَرَةً رَطْبَةً مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا أَوْ مَوْضِعٍ آخَرَ فِيهِ فَنَبَتَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ‏.‏

أَمَّا مَا بَعْضُ أَصْلِهِ فِي الْحَرَمِ فَيَحْرُمُ تَغْلِيبًا لِلْحَرَمِ، وَبِمَا لَا يُسْتَنْبَتُ مَا يُسْتَنْبَتُ، وَسَيَأْتِي تَخْصِيصُهُ بِغَيْرِ الشَّجَرِ كَبُرٍّ وَشَعِيرٍ فَلِمَالِكِهِ قَطْعُهُ وَقَلْعُهُ، وَلَوْ قَطَعَ غُصْنًا فِي الْحَرَمِ أَصْلُهُ فِي الْحِلِّ لَمْ يَضْمَنْهُ وَيَضْمَنُ صَيْدًا قَتَلَهُ فَوْقَهُ، وَحُكْمُ عَكْسِهِ عَكْسُ حُكْمِهِ‏.‏

قَالَ الْفُورَانِيُّ‏:‏ وَلَوْ غَرَسَ فِي الْحِلِّ نَوَاةَ شَجَرَةٍ حُرْمِيَّةٍ ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الْأَصْلِ وَلَا ضَمَانَ بِقَطْعِ الْأَغْصَانِ الْحَرَمِيَّةِ الْمُؤْذِيَةِ لِلنَّاسِ فِي الطَّرِيقِ، وَلَوْ أَخَذَ غُصْنًا مِنْ شَجَرَةٍ حُرْمِيَّةٍ فَأَخْلَفَ مِثْلُهُ فِي سَنَتِهِ بِأَنْ كَانَ لَطِيفًا كَالسِّوَاكِ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يُخْلِفْ أَوْ أَخْلَفَ لَا مِثْلُهُ أَوْ مِثْلُهُ لَا فِي سَنَتِهِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، فَإِنْ أَخْلَفَ مِثْلُهُ بَعْدَ وُجُوبِ ضَمَانِهِ لَمْ يَسْقُطْ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ قَلَعَ سِنَّ مَثْغُورٍ فَنَبَتَ، وَيَجُوزُ أَخْذُ أَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ‏.‏ بِلَا خَلْطٍ لِئَلَّا يَضُرَّ بِهَا وَخَبْطُهَا حَرَامٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ، وَنُقِلَ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ ثَمَرِهَا وَعُودِ السِّوَاكِ وَنَحْوِهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْغُصْنَ اللَّطِيفَ وَإِنْ لَمْ يَخْلُفْ‏.‏

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَنُقِلَ مَا يُؤَيِّدُهُ‏.‏

قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ ا هـ‏.‏ وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ مَا هُنَا عَلَى مَا هُنَاكَ ‏(‏وَالْأَظْهَرُ تَعَلُّقُ الضَّمَانِ بِهِ‏)‏ أَيْ بِقَطْعِ نَبَاتِ الْحَرَمِ الرَّطْبِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلشَّجَرِ كَمَا مَرَّ فَقَوْلُهُ ‏(‏وَبِقَطْعِ أَشْجَارِهِ‏)‏ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، فَهُوَ مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ ‏(‏فَفِي‏)‏ أَيْ يَجِبُ فِي قَطْعِ أَوْ قَلْعِ ‏(‏الشَّجَرَةِ‏)‏ الْحَرَمِيَّةِ ‏(‏الْكَبِيرَةِ‏)‏ بِأَنْ تُسَمَّى كَبِيرَةً عُرْفًا ‏(‏بَقَرَةٌ‏)‏ كَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ وَسَوَاءٌ أَخْلَفَتْ الشَّجَرَةُ أَمْ لَا‏.‏

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَالْبَدَنَةُ فِي مَعْنَى الْبَقَرَةِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لَمْ تَسْمَحُوا بِهَا عَنْ الْبَقَرَةِ وَلَا عَنْ الشَّاةِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ رَاعَوْا الْمِثْلِيَّةَ فِي الصَّيْدِ بِخِلَافِهِ هُنَا ‏(‏وَ‏)‏ فِي ‏(‏الصَّغِيرَةِ‏)‏ إنْ قَارَبَتْ سُبْعَ الْكَبِيرَةِ ‏(‏شَاةٌ‏)‏ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا، فَإِنْ صَغُرَتْ جِدًّا فَفِيهَا الْقِيمَةُ‏.‏

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَسَكَتَ الرَّافِعِيُّ عَمَّا جَاوَزَ سَبُعَ الْكَبِيرَةِ، وَلَمْ يَنْتَهِ إلَى حَدِّ الْكِبَرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ فِيهِ شَاةٌ أَعْظَمُ مِنْ الْوَاجِبَةِ فِي سُبْعِ الْكَبِيرَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْوَاجِبِ فِي غَيْرِ الشَّجَرِ مِنْ النَّبَاتِ، وَالْوَاجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ الْقِيَاسُ وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ يَدْفَعُهُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّيْخَانِ لِسِنِّ الْبَقَرَةِ، وَفِي الِاسْتِقْصَاءِ لَا يُشْتَرَطُ إجْزَاؤُهَا فِي الْأُضْحِيَّةِ بَلْ يَكْفِي فِيهَا التَّبِيعُ‏.‏ وَأَمَّا الشَّاةُ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ فِي سِنِّ الْأُضْحِيَّةِ‏.‏

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَكَانَ الْفَرْقُ أَنَّ الشَّاةَ لَمْ يُوجِبْهَا الشَّرْعُ إلَّا فِي هَذَا السِّنِّ بِخِلَافِ الْبَقَرَةِ بِدَلِيلِ التَّبِيعِ فِي الثَّلَاثِينَ مِنْهَا، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْبَقَرَةِ أَوْ الشَّاةِ بِهِ بِمُجَرَّدِ الْقَطْعِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَلْعِ الشَّجَرَةِ، وَكَلَامُ التَّنْبِيهِ يَقْتَضِي التَّوَقُّفَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُصَرِّحَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ بِالْمَسْأَلَةِ‏.‏ نَعَمْ عَبَّرَ الرَّافِعِيُّ بِالتَّامَّةِ، وَلَعَلَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ قَطْعِ الْغُصْنِ ‏(‏قُلْت‏:‏ وَالْمُسْتَنْبَتُ‏)‏ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَهُوَ مَا اسْتَنْبَتَهُ الْآدَمِيُّونَ مِنْ الشَّجَرِ ‏(‏كَغَيْرِهِ‏)‏ فِي الْحُرْمَةِ وَالضَّمَانِ ‏(‏عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَظْهَرُ وَقَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ الْمَنْعُ تَشْبِيهًا لَهُ بِالزَّرْعِ أَيْ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْبُقُولِ وَالْخَضْرَاوَاتِ فَإِنَّهُ قَطَعَهُ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ‏.‏ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ‏.‏

المتن

وَيَحِلُّ الْإِذْخِرُ، وَكَذَا الشَّوْكُ كَالْعَوْسَجِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَالْأَصَحُّ حِلُّ أَخْذِ نَبَاتِهِ لِعَلْفِ الْبَهَائِمِ وَلِلدَّوَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَيَحِلُّ‏)‏ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ ‏(‏الْإِذْخِرُ‏)‏ قَطْعًا وَقَلْعًا لِاسْتِثْنَائِهِ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ، قَالَ الْعَبَّاسُ ‏{‏يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إلَّا الْإِذْخِرَ‏}‏ وَمَعْنَى كَوْنِهِ لِبُيُوتِهِمْ أَنَّهُمْ يَسْقُفُونَهَا بِضَمِّ الْقَافِ بِهِ فَوْقَ الْخَشَبِ، وَالْقَيْنُ الْحَدَّادُ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ نَبَاتٌ مَعْرُوفٌ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ آخِذَهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِجَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ وَبِذَلِكَ أَفْتَى شَيْخِي ‏(‏وَكَذَا الشَّوْكُ‏)‏ يَحِلُّ شَجَرُهُ ‏(‏كَالْعَوْسَجِ‏)‏ جَمْعُ عَوْسَجَةٍ نَوْعٌ مِنْ الشَّوْكِ ‏(‏وَغَيْرِهِ‏)‏ مِنْ كُلِّ مُؤْذٍ يَحِلُّ ‏(‏عِنْدَ الْجُمْهُورِ‏)‏ كَالصَّيْدِ الْمُؤْذِي فَلَا ضَمَانَ فِي قَطْعِهِ، وَقِيلَ‏:‏ يَحْرُمُ وَيَجِبُ الضَّمَانُ بِقَلْعِهِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَاخْتَارَهُ فِي تَحْرِيرِ التَّنْبِيهِ وَتَصْحِيحِهِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّيُودِ الْمُؤْذِيَةِ أَنَّهَا تَقْصِدُ الْأَذَى بِخِلَافِ الشَّجَرِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَلِأَجْلِ اخْتِيَارِ الْمُصَنِّفِ الْمَنْعَ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَلَمْ يُعَبِّرْ بِالصَّحِيحِ وَنَحْوِهِ عَلَى عَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إطْلَاقُ تَصْحِيحِ الْجَوَازِ لِاعْتِقَادِهِ خِلَافَهُ، وَلَا تَصْحِيحِ الْمَنْعِ لِكَوْنِهِ خِلَافَ الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ ا هـ‏.‏ لَكِنَّهُ لَمْ يَحْتَرِزْ عَنْ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ، بَلْ قَالَ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ‏.‏ وَفِي الْمَجْمُوعِ نَحْوُهُ‏:‏ وَيَجُوزُ رَعْيُ حَشِيشِ الْحَرَمِ بَلْ وَشَجَرِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ لِلْبَهَائِمِ؛ لِأَنَّ الْهَدَايَا كَانَتْ تُسَاقُ فِي عَصْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَمَا كَانَتْ تُسَدُّ أَفْوَاهُهَا فِي الْحَرَمِ، وَيَحِلُّ أَخْذُ حَشِيشِهِ لِلْبَهَائِمِ ‏(‏وَالْأَصَحُّ حِلُّ أَخْذِ نَبَاتِهِ‏)‏ مِنْ حَشِيشٍ وَنَحْوِهِ بِالْقَطْعِ ‏(‏لِعَلْفِ الْبَهَائِمِ‏)‏ بِسُكُونِ اللَّامِ كَمَا يَجُوزُ تَسْرِيحُهَا فِيهِ ‏(‏وَلِلدَّوَاءِ‏)‏ بِالْمَدِّ كَالْحَنْظَلِ وَلِلتَّغَذِّي كَالرِّجْلَةِ وَالْبَقْلَةِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ ‏(‏وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ وَلِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الزَّرْعِ، وَلَا يُقْطَعُ ذَلِكَ إلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ، وَالثَّانِي‏:‏ يُمْنَعُ ذَلِكَ وُقُوفًا مَعَ ظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ قَطْعُهُ لِلْبَيْعِ مِمَّنْ يُعْلَفُ بِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ كَالطَّعَامِ الَّذِي أُبِيحَ أَكْلُهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ‏:‏ إنَّا حَيْثُ جَوَّزْنَا أَخْذَ السِّوَاكِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ جَوَازُ أَخْذِهِ لِلدَّوَاءِ أَنَّهُ لَا يُتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ السَّبَبِ حَتَّى يَجُوزَ أَخْذُهُ لِيَسْتَعْمِلَهُ عِنْدَ وُجُودِهِ‏.‏

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَهُوَ الْمُتَّجَهُ ا هـ‏.‏ وَالْمُتَّجَهُ الْمَنْعُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ لِأَنَّ مَا جَازَ لِلضَّرُورَةِ أَوْ لِحَاجَةٍ يُقَيَّدُ بِوُجُودِهَا كَمَا فِي اقْتِنَاءِ الْكَلْبِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى النَّبَاتِ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَعَدَّى لِغَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَيَحْرُمُ نَقْلُ تُرَابِ الْحَرَمِ وَأَحْجَارِهِ وَمَا عُمِلَ مِنْ طِينِهِ كَالْأَبَارِيقِ وَغَيْرِهَا إلَى الْحِلِّ، فَيَجِبُ رَدُّهُ إلَى الْحَرَمِ بِخِلَافِ مَاءِ زَمْزَمَ كَمَا مَرَّ، وَنَقْلُ تُرَابِ الْحِلِّ إلَى الْحَرَمِ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَهْيٍ فِيهِ، وَيَحْرُمُ أَخْذُ طِيبِ الْكَعْبَةِ، فَمَنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ مَسَحَهَا بِطِيبِ نَفْسِهِ ثُمَّ يَأْخُذُهُ، وَأَمَّا سِتْرُهَا فَالْأَمْرُ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ يَصْرِفُهُ فِي بَعْضِ مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ بَيْعًا وَعَطَاءً لِئَلَّا يَتْلَفَ بِالْبِلَى، وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ، وَجَوَّزُوا لِمَنْ أَخَذَهُ لُبْسَهُ وَلَوْ جُنُبًا وَحَائِضًا،‏.‏ تَنْبِيهٌ نَقْلُ تُرَابِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَأَحْجَارِهِ وَمَا عُمِلَ مِنْهُ كَالْكِيزَانِ وَإِدْخَالُ ذَلِكَ مِنْ الْحِلِّ إلَيْهِ وَالْحَرَمُ لَهُ حُدُودٌ مَعْرُوفَةٌ نَظَمَ بَعْضُهُمْ مَسَافَتَهَا بِالْأَمْيَالِ فِي بَيْتَيْنِ فَقَالَ‏:‏ وَلِلْحَرَمِ التَّحْدِيدُ مِنْ أَرْضٍ طَيِّبَةٍ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ إذَا رُمْتَ إتْقَانَهْ وَسَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِرَاقٍ وَطَائِفٍ وَجُدَّةُ عَشْرٌ ثُمَّ تِسْعٌ جِعْرَانَهْ وَالسِّينُ فِي سَبْعَةٍ‏:‏ الْأُولَى مُقَدَّمَةٌ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ بَيْتًا ثَالِثًا فَقَالَ‏:‏ وَمِنْ يَمَنٍ سَبْعٌ بِتَقْدِيمِ سِينِهِ وَقَدْ كَمُلَتْ فَاشْكُرْ لِرَبِّك إحْسَانَهْ‏.‏

المتن

وَصَيْدُ الْمَدِينَةِ حَرَامٌ، وَلَا يُضْمَنُ فِي الْجَدِيدِ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَصَيْدُ‏)‏ حَرَمِ ‏(‏الْمَدِينَةِ‏)‏ أَوْ أَخْذُ نَبَاتِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ‏(‏حَرَامٌ‏)‏ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا لَا يُقْطَعُ عِضَاهَا وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ زَادَ الْمُصَنِّفُ حَرُمَ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَدِينَةِ، وَاللَّابَتَانِ الْحَرَّتَانِ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ تَثْنِيَةُ لَابَةٍ، وَهِيَ أَرْضٌ تَرْكَبُهَا حِجَارَةٌ سُودٌ‏:‏ لَابَةٌ شَرْقِيِّ الْمَدِينَةِ وَلَابَةٌ غَرْبِيُّهَا فَحَرَمُهَا مَا بَيْنَهَا عَرْضًا وَمَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا طُولًا وَهُمَا عَيْرٌ وَثَوْرٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ‏{‏الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ عَيْرٍ إلَى ثَوْرٍ‏}‏ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ذِكْرَ ثَوْرٍ هُنَا، وَهُوَ بِمَكَّةَ غَلَطٌ مِنْ الرُّوَاةِ وَأَنَّ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ أُحُدٌ‏.‏ وَرُدَّ بِأَنَّ وَرَاءَهُ جَبَلًا صَغِيرًا يُقَالُ لَهُ ثَوْرٌ فَأُحُدٌ مِنْ الْحَرَمِ ‏(‏وَلَا يُضْمَنُ‏)‏ الصَّيْدُ وَلَا النَّبَاتُ ‏(‏فِي الْجَدِيدِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحِلًّا لِلنُّسُكِ بِخِلَافِ حَرَمِ مَكَّةَ، وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ يُضْمَنُ بِسَلَبِ الصَّائِدِ وَالْقَاطِعِ لِشَجَرِهِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَتَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ لِثُبُوتِ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الشَّجَرِ وَأَبُو دَاوُد فِي الصَّيْدِ، وَاخْتُلِفَ عَلَى هَذَا فِي السَّلَبِ مَا هُوَ وَلِمَنْ هُوَ ‏؟‏ فَقِيلَ‏:‏ إنَّهُ كَسَلَبِ الْقَتِيلِ الْكَافِرِ، وَقِيلَ‏:‏ ثِيَابُهُ فَقَطْ، وَقِيلَ‏:‏ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الْمَجْمُوعِ إنَّهُ يُتْرَكُ لِلْمَسْلُوبِ مَا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ السَّلَبَ لِلسَّالِبِ، وَقِيلَ لِفُقَرَاءِ الْمَدِينَةِ، وَقِيلَ لِبَيْتِ الْمَالِ وَنَقْلُ تُرَابِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَأَحْجَارِهِ وَمَا عُمِلَ مِنْهُ كَالْكِيزَانِ وَإِدْخَالُ ذَلِكَ مِنْ الْحِلِّ إلَيْهِ حُكْمُ حَرَمِ مَكَّةَ فِيمَا مَرَّ، وَيَحْرُمُ صَيْدُ وَجِّ الطَّائِفِ وَنَبَاتِهِ، وَلَا ضَمَانَ فِيهِمَا قَطْعًا، وَالنَّقِيعُ بِالنُّونِ، وَقِيلَ بِالْبَاءِ لَيْسَ بِحَرَمٍ وَلَكِنْ حَمَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَعَمِ الصَّدَقَةِ وَنَعَمِ الْجِزْيَةِ فَلَا يُمْلَكُ شَيْءٌ مِنْ نَبَاتِهِ وَلَا يَحْرُمُ صَيْدُهُ وَلَا يُضْمَنُ وَيُضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ نَبَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ فَيَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ‏.‏

قَالَ الشَّيْخَانِ‏:‏ وَمَصْرِفُهَا مَصْرِفُ نَعَمِ الْجِزْيَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَبَحَثَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا لِبَيْتِ الْمَالِ‏.‏ ‏.‏

المتن

وَيَتَخَيَّرُ فِي الصَّيْدِ الْمِثْلِيِّ بَيْنَ ذَبْحِ مِثْلِهِ وَالصَّدَقَةِ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَبَيْنَ أَنْ يُقَوَّمَ الْمِثْلُ دَرَاهِمَ وَيَشْتَرِيَ بِهِ طَعَامًا لَهُمْ، أَوْ يَصُومَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا‏.‏

الشَّرْحُ

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ الدِّمَاءِ، وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّ الدَّمَ إمَّا مُخَيَّرٌ أَوْ مُرَتَّبٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا مُعَدَّلٌ أَوْ مُقَدَّرٌ وَسَأَجْمَعُهَا لَكَ فِي خَاتِمَةِ هَذَا الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ بَدَأَ بِالْمُخَيَّرِ الْمُعَدَّلِ فَقَالَ ‏(‏وَيَتَخَيَّرُ فِي‏)‏ جَزَاءِ إتْلَافِ ‏(‏الصَّيْدِ الْمِثْلِيِّ بَيْنَ‏)‏ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ ‏(‏ذَبْحِ‏)‏ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ ‏(‏مِثْلِهِ‏)‏ بِثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ ‏(‏وَالصَّدَقَةِ بِهِ‏)‏ بِأَنْ يُفَرِّقَ لَحْمَهُ مَعَ النِّيَّةِ حَتْمًا ‏(‏عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ‏)‏ وَعَلَى فُقَرَائِهِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى، أَوْ يُمَلِّكُهُمْ جُمْلَتَهُ مَذْبُوحًا، وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ حَيًّا وَلَا أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ ‏(‏وَبَيْنَ أَنْ يُقَوَّمَ الْمِثْلُ‏)‏ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ ‏(‏دَرَاهِمَ‏)‏ أَوْ غَيْرَهَا ‏(‏وَيَشْتَرِيَ بِهَا طَعَامًا لَهُمْ‏)‏ مِمَّا يُجْزِئُ فِي الْفِطْرَةِ أَوْ يُخْرِجَ مِقْدَارَهَا مِنْ طَعَامِهِ إذْ الشِّرَاءُ مِثَالٌ ‏(‏أَوْ يَصُومَ‏)‏ فِي أَيْ مَكَان شَاءَ ‏(‏عَنْ كُلِّ مُدٍّ‏)‏ مِنْ الطَّعَامِ ‏(‏يَوْمًا‏)‏ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏صِيَامًا‏}‏ وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ ذَبْحَ الْمِثْلِ مَا إذَا قَتَلَ صَيْدًا مِثْلِيًّا حَامِلًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُ مِثْلِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّ بَلْ يُقَوَّمُ الْمِثْلُ حَامِلًا وَيَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ دَرَاهِمَ مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ بِدَرَاهِمَ، وَالتَّقْوِيمُ لَا يَخْتَصُّ بِهَا، فَلَوْ عَبَّرَ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ كَمَا قَدَّرْتُهُ كَانَ أَوْلَى وَقَوْلُهُ‏:‏ لَهُمْ أَيْ لِأَجْلِهِمْ لَا لِأَنَّ الشِّرَاءَ يَقَعُ لَهُمْ، وَقَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ مِنْ الطَّعَامِ أَقَلُّ مِنْ مُدٍّ لَمْ يَصُمْ عَنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَبَعَّضُ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يُكَمِّلُ الْمُنْكَسِرَ وَيَصُومُ عَنْهُ يَوْمًا، وَلَا يُفْعَلُ مَكَانَ الْمُنْكَسِرِ كَامِلٌ إلَّا هُنَا وَفِي الْقَسَامَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْكَافِرَ كَالْمُسْلِمِ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ إلَّا فِي الصَّوْمِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَقَطْ‏.‏

المتن

وَغَيْرُ الْمِثْلِيِّ يَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا أَوْ يَصُومُ، وَيَتَخَيَّرُ فِي فِدْيَةِ الْحَلْقِ بَيْنَ ذَبْحِ شَاةٍ، وَالتَّصَدُّقِ بِثَلَاثَةِ آصُعٍ لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ، وَصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الدَّمَ فِي تَرْكِ الْمَأْمُورِ كَالْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ دَمُ تَرْتِيبٍ، فَإِذَا عَجَزَ اشْتَرَى بِقِيمَةِ الشَّاةِ طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ، فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَدَمُ الْفَوَاتِ كَدَمِ التَّمَتُّعِ، وَيَذْبَحُهُ فِي حَجَّةِ الْقَضَاءِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَغَيْرُ الْمِثْلِيِّ‏)‏ مِمَّا لَا نَقْلَ فِيهِ مِنْ الصَّيْدِ يَتَخَيَّرُ فِي جَزَاءِ إتْلَافِهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ ‏(‏يَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ‏)‏ أَيْ بِقَدْرِهَا ‏(‏طَعَامًا‏)‏ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَفُقَرَائِهِ فَلَا يَتَصَدَّقُ بِالدَّرَاهِمِ‏.‏ وَثَانِيهِمَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ‏(‏أَوْ يَصُومُ‏)‏ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَيُكْمِلُ الْمُنْكَسِرَ كَمَا مَرَّ، وَالْعِبْرَةُ فِي قِيمَةِ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ وَزَمَانِهِ قِيَاسًا عَلَى كُلِّ مُتْلَفٍ مُتَقَوِّمٍ، وَفِي قِيمَةِ مِثْلِ الْمِثْلِيِّ بِمَكَّةَ وَقْتَ إرَادَةِ تَقْوِيمِهِ؛ لِأَنَّهَا مَحِلُّ ذَبْحِهِ لَوْ أُرِيدَ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْعُدُولِ إلَى الطَّعَامِ سِعْرُهُ بِمَكَّةَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ ‏(‏وَيَتَخَيَّرُ فِي فِدْيَةِ الْحَلْقِ‏)‏ لِثَلَاثِ شَعَرَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ فَأَكْثَرَ وَفِي قَلْمِ أَظْفَارٍ كَذَلِكَ وَفِي التَّطَيُّبِ وَاللُّبْسِ وَالِادِّهَانِ وَمُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ بِشَهْوَةٍ، وَشَاةُ الْجِمَاعِ بَعْدَ الْجِمَاعِ الْأَوَّلِ وَالْجِمَاعِ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ ‏(‏بَيْنَ‏)‏ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ ‏(‏ذَبْحِ شَاةٍ‏)‏ تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَيَقُومُ مَقَامَهَا بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ سُبْعٌ مِنْ وَاحِدُهُ مِنْهُمَا ‏(‏وَ‏)‏ بَيْنَ ‏(‏التَّصَدُّقِ بِثَلَاثَةِ آصُعٍ‏)‏ بِالْمَدِّ جَمْعُ صَاعٍ، وَآصُعٍ أَصْلُهُ أَصْوُعٌ أَبْدَلَ مِنْ وَاوِهِ هَمْزَةً مَضْمُومَةً قُدِّمَتْ عَلَى الصَّادِ وَنُقِلَتْ ضَمَّتُهَا وَقُلِبَتْ هِيَ أَلِفًا ‏(‏لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ‏)‏ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ ‏(‏وَ‏)‏ بَيْنَ ‏(‏صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ‏)‏ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ‏}‏ أَيْ فَحَلَقَ ‏{‏فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ‏}‏ وَلِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ‏{‏أَيُؤْذِيك هَوَامُّ رَأْسِك ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، قَالَ‏:‏ اُنْسُكْ شَاةً أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ فَرَقًا مِنْ الطَّعَامِ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ‏}‏، وَالْفَرَقُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ ثَلَاثَةُ آصُعٍ، وَقِيسَ بِالْحَلْقِ وَبِالْمَعْذُورِ غَيْرُهُمَا‏.‏ فَائِدَةٌ‏:‏ سَائِرُ الْكَفَّارَاتِ لَا يُزَادُ الْمِسْكِينُ فِيهَا عَلَى مُدٍّ إلَّا فِي هَذِهِ ‏(‏وَالْأَصَحُّ أَنَّ الدَّمَ فِي تَرْكِ الْمَأْمُورِ‏)‏ الَّذِي لَا يَفُوتُ بِهِ الْحَجُّ ‏(‏كَالْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ‏)‏ أَوْ مِمَّا يَلْزَمُ الْإِحْرَامُ مِنْهُ إذَا أَحْرَمَ مِنْ غَيْرِهِ وَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ أَوْ بِمِنًى لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ وَطَوَافِ الْوَدَاعِ ‏(‏دَمُ تَرْتِيبٍ‏)‏ إلْحَاقًا لَهُ بِدَمِ التَّمَتُّعِ لِمَا فِي التَّمَتُّعِ مِنْ تَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَقِيسَ بِهِ تَرْكُ بَاقِي الْمَأْمُورَاتِ ‏(‏فَإِذَا عَجَزَ‏)‏ عَنْ الدَّمِ ‏(‏اشْتَرَى بِقِيمَةِ الشَّاةِ طَعَامًا‏)‏ أَوْ أَخْرَجَهُ مِنْ طَعَامِهِ كَمَا مَرَّ ‏(‏وَتَصَدَّقَ بِهِ‏)‏ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَفُقَرَائِهِ ‏(‏فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ‏)‏ مِنْ الطَّعَامِ ‏(‏يَوْمًا‏)‏ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ كَالْإِمَامِ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ عَنْ الدَّمِ يَصُومُ كَالْمُتَمَتِّعِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ، فَهُوَ مُرَتَّبٌ مُقَدَّرٌ، وَسَيَأْتِي تَحْرِيرُ ذَلِكَ فِي الْخَاتِمَةِ ‏(‏وَدَمُ الْفَوَاتِ‏)‏ لِلْحَجِّ بِفَوَاتِ الْوُقُوفِ ‏(‏كَدَمِ التَّمَتُّعِ‏)‏ فِي صِفَتِهِ وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ كَتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَالْوُقُوفُ الْمَتْرُوكُ فِي الْفَوَاتِ أَعْظَمُ مِنْهُ ‏(‏وَيَذْبَحُهُ فِي حَجَّةِ الْقَضَاءِ‏)‏ وُجُوبًا لَا فِي سَنَةِ الْفَوَاتِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ وَفِي الرَّوْضَةِ‏:‏ الْأَظْهَرُ لِفَتْوَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِذَلِكَ رَوَاهُ مَالِكٌ، وَسَيَأْتِي بِطُولِهِ فِي الْبَابِ الْآتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالثَّانِي‏:‏ يَجُوزُ ذَبْحُهُ فِي سَنَةِ الْفَوَاتِ قِيَاسًا عَلَى دَمِ الْإِفْسَادِ، وَوَقْتُ الْوُجُوبِ عَلَى الْأَوَّلِ مَنُوطٌ بِالتَّحَرُّمِ بِالْقَضَاءِ كَمَا أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ مَنُوطٌ بِالتَّحَرُّمِ بِالْحَجِّ، وَعَلَيْهِ إذَا كَفَّرَ بِالصَّوْمِ لَا يُقَدِّمُ صَوْمَ الثَّلَاثَةِ عَلَى الْقَضَاءِ وَيَصُومُ السَّبْعَ إذَا خَرَجَ مِنْهُ، وَلَوْ أَخْرَجَ دَمَ الْفَوَاتِ بَيْنَ التَّحَلُّلِ وَالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْإِحْرَامِ بِالْقَضَاءِ أَجْزَأَهُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَكَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ‏.‏

المتن

وَالدَّمُ الْوَاجِبُ بِفِعْلِ حَرَامٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ، وَيَخْتَصُّ ذَبْحُهُ بِالْحَرَمِ فِي الْأَظْهَرِ، وَيَجِبُ صَرْفُ لَحْمِهِ إلَى مَسَاكِينِهِ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَالدَّمُ الْوَاجِبُ‏)‏ عَلَى مُحْرِمٍ ‏(‏بِفِعْلِ حَرَامٍ‏)‏ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَالْحَلْقِ لِعُذْرٍ‏.‏ ‏(‏أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ‏)‏ عَلَيْهِ غَيْرِ رُكْنٍ أَوْ غَيْرِهِمَا كَدَمِ الْجُبْرَانَاتِ وَكَدَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَالْحَلْقِ ‏(‏لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ‏)‏ بَلْ يَفْعَلُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّخْصِيصِ وَلَمْ يَرِدْ مَا يُخَالِفُهُ، وَلَكِنْ يُسَنُّ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ ‏(‏وَيَخْتَصُّ ذَبْحُهُ‏)‏ بِأَيِّ مَكَان ‏(‏بِالْحَرَمِ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ‏}‏ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏نَحَرْتُ هَهُنَا وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏ وَلِأَنَّ الذَّبْحَ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْهَدْيِ فَيَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ كَالتَّصَدُّقِ، وَالثَّانِي يَجُوزُ أَنْ يَذْبَحَ خَارِجَ الْحَرَمِ بِشَرْطِ أَنْ يُنْقَلَ إلَيْهِ وَيُفَرَّقَ لَحْمُهُ فِيهِ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ اللَّحْمُ، فَإِذَا وَقَعَتْ تَفْرِقَتُهُ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ حَصَلَ الْغَرَضُ ‏(‏وَيَجِبُ صَرْفُ لَحْمِهِ‏)‏ وَجِلْدِهِ وَبَقِيَّةِ أَجْزَائِهِ مِنْ شَعْرِهِ وَغَيْرِهِ إنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَتُهُ خِلَافَهُ ‏(‏إلَى مَسَاكِينِهِ‏)‏ أَيْ الْحَرَمِ وَفُقَرَائِهِ الْقَاطِنِينَ مِنْهُمْ وَالْغُرَبَاءِ، وَالصَّرْفُ إلَى الْأَوَّلِ أَوْلَى إلَّا أَنْ تَشْتَدَّ حَاجَةُ الثَّانِي فَهُوَ أَوْلَى‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ، وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأُضْحِيَّةِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُفَرِّقَ الْمَذْبُوحَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعْطِيَهُ بِجُمْلَتِهِ لَهُمْ، وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي الْكَلَامِ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّيْدِ، وَيَكْفِي دَفْعُهُ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ سَوَاءٌ انْحَصَرُوا أَمْ لَا، لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ أَقَلُّ الْجَمْعِ، فَلَوْ دَفَعَ إلَى اثْنَيْنِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ثَالِثٍ ضَمِنَ لَهُ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ كَنَظِيرِهِ مِنْ الزَّكَاةِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ اسْتِيعَابُهُمْ إذَا انْحَصَرُوا كَمَا فِي الزَّكَاةِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا حُرْمَةُ الْبَلَدِ وَهُنَاكَ سَدُّ الْخَلَّةِ، وَتَجِبُ النِّيَّةُ عِنْدَ التَّفْرِقَةِ كَمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَوْ مُتَقَدِّمَةً عَلَيْهَا كَمَا فِي الزَّكَاةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ كُلَّهُ فِي الدَّمِ الْوَاجِبِ بِفِعْلِ حَرَامٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ دَمُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ كَذَلِكَ وَأَمَّا دَمُ الْإِحْصَارِ فَسَيَأْتِي، وَدَفْعُ الطَّعَامِ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ لَا يَتَعَيَّنُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مُدٌّ فِي دَمِ التَّمَتُّعِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ دَمُهُ دَمَ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ‏.‏

أَمَّا دَمُ الِاسْتِمْتَاعَاتِ وَنَحْوِهَا مِمَّا دَمُهُ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ سِتَّةِ مَسَاكِينَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ ثَلَاثَةِ آصُعٍ كَمَا مَرَّ وَلَوْ ذَبَحَ الدَّمَ الْوَاجِبَ بِالْحَرَمِ فَسُرِقَ مِنْهُ أَوْ غُصِبَ قَبْلَ التَّفْرِقَةِ لَمْ يُجْزِهِ‏.‏ ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَذْبَحَ آخَرَ وَهُوَ أَوْلَى، أَوْ يَشْتَرِيَ بَدَلَهُ لَحْمًا وَيَتَصَدَّقَ بِهِ لِأَنَّ الذَّبْحَ قَدْ وُجِدَ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا قَصَّرَ فِي تَأْخِيرِ التَّفْرِقَةِ، وَإِلَّا فَلَا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ سُرِقَ الْمَالُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ الزَّكَاةُ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّمَ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ وَالزَّكَاةَ بِعَيْنِ الْمَالِ، وَلَوْ عُدِمَ الْمَسَاكِينُ فِي الْحَرَمِ أَخَّرَ الْوَاجِبَ الْمَالِيَّ حَتَّى يَجِدَهُمْ وَلَا يَجُوزُ النَّقْلُ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ النَّقْلُ كَالزَّكَاةِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ صَرِيحٌ بِتَخْصِيصِ الْبَلَدِ بِهَا بِخِلَافِ هَذَا‏.‏

المتن

وَأَفْضَلُ بُقْعَةٍ لِذَبْحِ الْمُعْتَمِرِ الْمَرْوَةُ، وَلِلْحَاجِّ مِنًى، وَكَذَا حُكْمُ مَا سَاقَا مِنْ هَدْيٍ مَكَانًا‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَأَفْضَلُ بُقْعَةٍ‏)‏ مِنْ الْحَرَمِ ‏(‏لِذَبْحِ الْمُعْتَمِرِ‏)‏ الَّذِي لَيْسَ مُتَمَتِّعًا وَلَا قَارِنًا وَلَوْ مُفْرِدًا ‏(‏الْمَرْوَةُ‏)‏ لِأَنَّهَا مَوْضِعٌ تَحَلُّلِهِ ‏(‏وَلِ‏)‏ ذَبْحِ ‏(‏الْحَاجِّ‏)‏ وَلَوْ قَارِنًا أَوْ مُرِيدًا إفْرَادًا أَوْ مُتَمَتِّعًا وَلَوْ عَنْ دَمِ تَمَتُّعِهِ ‏(‏مِنًى‏)‏ لِأَنَّهَا مَحَلُّ تَحَلُّلِهِ، وَالْأَحْسَنُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْكِتَابِ فِي ‏"‏ بُقْعَةٍ ‏"‏ ضَبْطُهَا بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ عَلَى لَفْظِ الْجَمْعِ الْمُضَافِ لِضَمِيرِ الْحَرَمِ ‏(‏وَكَذَا حُكْمُ مَا سَاقَا‏)‏ أَيْ الْمُعْتَمِرُ وَالْحَاجُّ ‏(‏مِنْ هَدْيٍ‏)‏ نَذْرٍ أَوْ نَفْلٍ ‏(‏مَكَانًا‏)‏ فِي الِاخْتِصَاصِ وَالْأَفْضَلِيَّةِ‏.‏

المتن

وَوَقْتُهُ وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشَّرْحُ

‏(‏وَوَقْتُهُ‏)‏ أَيْ ذَبْحِ هَذَا الْهَدْيِ ‏(‏وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ قِيَاسًا عَلَيْهَا، وَالثَّانِي لَا يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ كَدِمَاءِ الْجُبْرَانَاتِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَخَّرَ الذَّبْحَ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ نُظِرَ إنْ كَانَ وَاجِبًا وَجَبَ ذَبْحُهُ قَضَاءً، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَقَدْ فَاتَ، هَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ غَيْرَ هَذِهِ الْأَيَّامِ، فَإِنْ عَيَّنَ لِهَدْيِ التَّقَرُّبِ غَيْرَ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ وَقْتٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي تَعْيِينِ الْيَوْمِ قُرْبَةٌ‏.‏ نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ، وَالْهَدْيُ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى مَا يَسُوقُهُ الْمُحْرِمُ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَا يَلْزَمُهُ مِنْ دَمِ الْجُبْرَانَاتِ، وَهَذَا الثَّانِي لَا يَخْتَصُّ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ كَمَا سَبَقَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالرَّوْضَةِ أَنَّ مَا يَسُوقُهُ الْمُعْتَمِرُ يَخْتَصُّ أَيْضًا بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْإِسْنَوِيُّ‏.‏ خَاتِمَةٌ‏:‏ حَيْثُ أُطْلِقَ فِي الْمَنَاسِكِ الدَّمُ، فَالْمُرَادُ بِهِ كَدَمِ الْأُضْحِيَّةِ فَتُجْزِئُ الْبَدَنَةُ أَوْ الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةِ دِمَاءٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَسْبَابُهَا، فَلَوْ ذَبَحَهَا عَنْ دَمٍ وَجَبَ فَالْفَرْضُ سُبْعُهَا فَلَهُ إخْرَاجُهُ عَنْهُ وَأَكْلُ الْبَاقِي إلَّا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ الْمِثْلِيِّ فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ كَالْأُضْحِيَّةِ فَيَجِبُ فِي الصَّغِيرِ صَغِيرٌ، وَفِي الْكَبِيرِ كَبِيرٌ، وَفِي الْمَعِيبِ مَعِيبٌ كَمَا مَرَّ بَلْ لَا تُجْزِئُ الْبَدَنَةُ عَنْ شَاتِهِ‏.‏ ‏.‏ وَحَاصِلُ الدِّمَاءِ تَرْجِعُ بِاعْتِبَارِ حُكْمِهَا إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ‏:‏ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ، وَدَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ، وَدَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ، وَدَمُ تَخْيِيرٍ وَتَعْدِيلٍ‏.‏

الْقِسْمُ الْأَوَّلُ يَشْتَمِلُ عَلَى دَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَالْفَوَاتِ وَالْمَنُوطِ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ وَهُوَ تَرْكُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَطَوَافِ الْوَدَاعِ فَهَذِهِ الدِّمَاءُ دِمَاءُ تَرْتِيبٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الذَّبْحُ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا إذَا عَجَزَ عَنْهُ، وَتَقْدِيرٍ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّرْعَ قَدَّرَ مَا يَعْدِلُ إلَيْهِ بِمَا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ‏.‏ وَالْقِسْمُ الثَّانِي يَشْتَمِلُ عَلَى دَمِ الْجِمَاعِ فَهُوَ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ فِيهِ بِالتَّقْوِيمِ وَالْعُدُولِ إلَى غَيْرِهِ بِحَسَبِ الْقِيمَةِ فَيَجِبُ فِيهِ بَدَنَةٌ ثُمَّ بَقَرَةٌ ثُمَّ سَبْعُ شِيَاهٍ، فَإِنْ عَجَزَ قَوَّمَ الْبَدَنَةَ بِدَرَاهِمَ وَالدَّرَاهِمَ طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ، فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَيُكْمِلُ الْمُنْكَسِرَ كَمَا مَرَّ، وَعَلَى دَمِ الْإِحْصَارِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ ثُمَّ طَعَامٌ بِالتَّعْدِيلِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الطَّعَامِ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا‏.‏

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ‏:‏ يَشْتَمِلُ عَلَى دَمِ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ فَهُوَ تَخْيِيرٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَيَتَخَيَّرُ إذَا حَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ أَوْ قَلَمَ ثَلَاثَةَ أَظْفَارٍ وَلَاءً بَيْنَ ذَبْحٍ وَإِطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ وَصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَعَلَى دَمِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَهُوَ التَّطَيُّبُ وَالدَّهْنُ بِفَتْحِ الدَّالِ لِلرَّأْسِ أَوْ اللِّحْيَةِ وَبَعْضِ شُعُورِ الْوَجْهِ عَلَى خِلَافٍ تَقَدَّمَ وَاللُّبْسُ وَمُقَدِّمَاتُ الْجِمَاعِ وَالِاسْتِمْنَاءُ وَالْجِمَاعُ غَيْرُ الْمُفْسِدِ‏.‏

وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ يَشْتَمِلُ عَلَى دَمِ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالشَّجَرِ، فَجُمْلَةُ هَذِهِ الدِّمَاءِ عِشْرُونَ دَمًا، وَنَظَمَ الدَّمِيرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْخَاتِمَةَ، فَقَالَ‏:‏ خَاتِمَةٌ مِنْ الدِّمَاءِ مَا الْتُزِمْ مُرَتَّبًا وَمَا بِتَخْيِيرٍ لَزِمْ وَالصِّفَتَانِ لَا اجْتِمَاعَ لَهُمَا كَالْعَدْلِ وَالتَّقْوِيمِ حَيْثُ فُهِمَا فَالدَّمُ بِالتَّرْتِيبِ وَالتَّقْدِيرِ فِي تَمَتُّعٍ فَوْتِ قِرَانٍ اُكْتُفِيَ وَتَرْكُ مِيقَاتٍ وَرَمْيٍ وَوَدَاعْ مَعَ الْمَبِيتَيْنِ بِلَا عُذْرٍ يُشَاعْ ثُمَّ مُرَتَّبٌ بِتَعْدِيلٍ سَقَطْ فِي مُفْسِدِ الْجِمَاعِ وَالْحَصْرِ فَقَطْ مُخَيَّرٌ مُقَدَّرٌ دُهْنٌ لِبَاسْ وَالْحَلْقُ وَالْقَلْمُ وَطِيبٌ فِيهِ بَاسْ وَالْوَطْءُ حَيْثُ الشَّاةُ وَالْمُقَدَّمَاتْ مُخَيَّرٌ مُعَدَّلٌ صَيْدٌ نَبَاتْ وَهَذِهِ الدِّمَاءُ كُلُّهَا لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ كَمَا مَرَّ، وَتُرَاقُ فِي النُّسُكِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ، وَدَمُ الْفَوَاتِ يُجْزِئُ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْإِحْرَامِ بِالْقَضَاءِ كَالْمُتَمَتِّعِ إذَا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَذْبَحَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي إنَّهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْقَضَاءِ، وَكُلُّ هَذِهِ الدِّمَاءِ وَبَدَلُهَا مِنْ الطَّعَامِ تَخْتَصُّ تَفْرِقَتُهُ بِالْحَرَمِ عَلَى مَسَاكِينِهِ وَكَذَا يَخْتَصُّ بِهِ الذَّبْحُ إلَّا دَمَ الْمُحْصَرِ فَيَذْبَحُ حَيْثُ أُحْصِرَ كَمَا سَيَأْتِي، فَإِنْ عُدِمَ الْمَسَاكِينُ فِي الْحَرَمِ أَخَّرَهُ كَمَا مَرَّ حَتَّى يَجِدَهُمْ كَمَنْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ عَلَى فُقَرَاءِ بَلَدٍ فَلَمْ يَجِدْهُمْ‏.‏ وَيُسَنُّ لِمَنْ قَصَدَ مَكَّةَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَنْ يُهْدِيَ إلَيْهَا شَيْئًا مِنْ النَّعَمِ، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏أَهْدَى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِائَةَ بَدَنَةٍ‏}‏ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ إلَّا بِالنَّذْرِ‏.‏ وَيُسَنُّ أَنْ يُقَلِّدَ الْبَدَنَةَ أَوْ الْبَقَرَةِ نَعْلَيْنِ مِنْ النِّعَالِ الَّتِي تُلْبَسُ فِي الْإِحْرَامِ وَيَتَصَدَّقَ بِهِمَا بَعْدَ ذَبْحِهَا ثُمَّ يَجْرَحَ صَفْحَةَ سَنَامِهَا الْيُمْنَى بِحَدِيدَةٍ مُسْتَقْبِلًا لَهَا الْقِبْلَةَ وَيُلَطِّخَهَا بِالدَّمِ لِتُعْرَفَ، فَإِنْ قَرَنَ هَدْيَيْنِ بِحَبْلٍ جَرَحَ الْآخَرَ فِي الصَّفْحَةِ الْيُسْرَى، وَالْغَنَمُ لَا تُجْرَحُ بَلْ تُقَلَّدُ عُرَى الْقِرَبِ وَآذَانِهَا، وَلَا يَلْزَمُ بِذَلِكَ ذَبْحُهَا‏.‏